بصائر نفسية إسلامية (1)
"القيم والاستخلاف في الأرض"
تتردد كلمة "قيم" كثيراً على ألسنة المثقفين المعاصرين وأقلامهم، لكن معناها الدقيق ما زال غامضاً على الكثيرين، والقيم كثيراً ما تُعرَّف بوظيفتها على أنها "معايير السلوك" لكن معناها اللغوي يساعد كثيراً على فهمها، فما هو "قيمة" “Value“ هو شيء له في نظر الإنسان قيمة عظيمة وقدر كبير، من أجله يكون الإنسان مستعداً لبذل الغالي من جهد ومال وربما نفس، وهذا الشيء ذو القيمة يضفي القدر والقيمة على من يتلبس به ويتحقق فيه، وإذا أخذنا مثالاً العِرض وسلامته من الأذى، لوجدناه قيمة كبرى لدى المجتمعات العربية، حيث من أجل صيانته والحفاظ عليه يبذل الإنسان الجهد والمال، وربما مات في سبيل عرضه، وصاحب العرض المصون جدير بالاحترام والتقدير، حيث سلامة عرضه قيمة تضفي عليه هذه الجدارة بالتكريم. وسلامة العرض كقيمة تشكل معياراً لسلوك الناس، حيث يتجنبون كل سلوك يمكن أن يسيء إلى هذا العرض ويعرضه للأذى والانتهاك، وكل سلوك يصطدم مع قيمة صيانة العرض سلوك مستنكر.
إن القيم في كل مجتمع متعددة، وهي تختلف من مجمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر، ويبقى السؤال: ما هي القيم الإسلامية التي يجب أن نحققها في حياتنا وأن نربي أولادنا عليها؟
لقد خلق الله الإنسان ليكون خليفة له في الأرض: "..... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...." (البقرة:30)، لذا خلقه على صورته سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث الصحيح، وهذا يعني أن الإنسان فيه من الصفات الكثير من صفات الله تعالى لكن ضمن حدود البشرية التي خلقها الله من تراب وضعفها. فكما أن الله حي ويسمع ويرى فكذلك الإنسان، وكما أن الله رحمن وغفار فكذلك يمكن للإنسان أن يغفر وأن يرحم، وكما أن الله منتقم وجبار فكذلك الإنسان قادر على الانتقام وعلى التجبر، إلى غير ذلك من صفات الخالق التي تضمها أسماؤه الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة، ولعل في هذا الذي نتحدث عنه سبب من أسباب أهمية إحصائها للمؤمن.
والإنسان على هذه الأرض إما مؤمن يقوم بدور الخلافة في الأرض، فيحقق صفات الله في نفسه إلا ما حرمه الخالق علينا من صفات الكبر والعظمة والعلو، أو هو فاسق متمرد على الخالق، رافض أن يكون لله خليفة لأنه يرى نفسه نداً لا تابعاً، وهذا الإنسان يحقق في نفسه من صفات الخالق ما حرمه الله عليه من صفات الكبر والعظمة والعلو.
ليس الاستخلاف محصوراً في العمران، بل الإنسان خليفة لله حيث كان ومتى كان، وتتحقق الخلافة بتحقق صفات الله في الإنسان، وبالتالي تكون المعاني التي تحققها هذه الصفات هي القيم الإيمانية المطلوبة، عندها يكون العدل والرحمة والعفو والقوة والقدرة والعزة والعلم والكرم والغنى والصبر والشكر… كلها قيم يسعى المؤمن إلى تحقيقها في حياته. والمؤمن القائم بدور الخليفة في الأرض يقوم بدور فطره الله عليه وخلقه من أجله وبالتالي فهو يحمل من الدوافع النفسية ما يعينه على تحقيق قيم الاستخلاف الإيمانية.
ويتبع >>>>>: بصائر نفسية إسلامية (3)
اقرأ أيضاً :
التربية: دعوة إلى الله ! / حتى نعْدل إن عاقبنا / مفهوم اللغة في حياة الطفل