لا تنتظر حدوث معجزة.. بل كن أنت المعجزة
بين الكاف والنون
يا من تقول للشيء كن فيكون
أعني على أن أكون
كما تحب أنت أن أكون
واكتب لطموحاتي أن تكون
حقيقة تروى على مر العصور
عن شابة في عمر الزهور
في جوفها شمس لكن لا تدور
ولا ترضى أبدا بالفجور
في دقائق وجهها الصبوح
ألم وأمل وعزة وطموح
وحلم أصر على أن يكون
حقيقة كتفاصيل الشروق
24-9-1993
في يوم الجمعة المبارك، تختلط أصوات مختلفة من عدة مآذن، منادية حي على الصلاة حي على الفلاح، وفي مكان آخر بعيد، تحت ظل سقف قديم في بيت صغير، تبدأ المرأة بالإحساس بأن الألم يأتيها بشكل منتظم... آه إنه الطلق، يترك الأب الصلاة يهرع إلى زوجته يأخذها بسرعة إلى المشفى، وبين توجيهات الطبيبة، خذي نفس عميق هيا هيا تبقى القليل أوه ها أوه ها.... وآهات الأم، تنطلق صرخات طفلة صغيرة جميلة وااااو وااااو وااااااااااو، ويحك أيتها الطفلة أتبكين منذ الآن لم تري شيء بعد، أم أنك تعلمين بأنه تنتظرك الكثير من التحديات والمواجهات.
الممرضة: إنها فتاة
يحملها الوالد مسرورا: أهلا بك.. خديجة
(11-4-2011)
في مكان آخر بعيد بعد عدة سنين، تقطع الشابة تلك المسافة التي أمام الإدارة ذهابا وإيابا، لا يهدأ لها بالا تفكر وتفكر في نتيجتها كيف ستكون؟ ما النسبة التي حصلت عليها هذا الفصل؟؟ يا رب ارضني يا رب اكتب لي الخير حيث كان، وخلال هذه الموجة من التفكير والتوتر تناديهم المعلمة تذهب بين جموع البنات تمسك القلم وتوقع وأخيرا تحمل شهادتها تنظر مباشرة إلى النسبة تراها 87 يهيأ لها أنها 97 تشعر بدوار خفيف تذهب بعيدا عن زميلاتها وتنظر مرة أخرى في الشهادة إنها 87 ، تبكي وتبكي وتبكي، تعود إلى البيت مبكرا، تسلم والدتها الشهادة وهي في غاية الأسى، كانت تتمنى أن تفرح أمها بنتيجة جميلة تحضنها أمها وتطمأنها بأنها مازلت لديها فرصة، تدخل غرفتها وتنام وهي تبكي، تستيقظ ولكن النوم لم يشفي شيئا، مجرد نوعا من أنواع الهروب، لم يتغير شيء، ولا حتى نزف روحها توقف؛
يرفرف أمامها طيف حلمها من بعيد، هل أستطيع أن أحققه أم أنني بعدت عنه كثيرا، درجاتي ليست دليل قدراتي، درجاتي ليست دليل قدراتي، عبارة واحدة تلوح في سمائها ولكن من يفهم ذلك؟ هل لجان التنسيق تفهم؟ هل لجان القبول تستوعب؟؟ وتذكر نفسها إذا بذل المجهود، فارض بالموجود، وتسيطر الوسوسات على عقلها وهل بذلت أنا المجهود،. هل قصرت؟ وكيف قصرت؟؟ لا لم أقصر، لا قصرت قد أكون شغلت قليلا بــأوضاع الأمة ومتابعتها، تحاول أن تتماسك تحمل كتابها وتذاكر، لكن دون جدوى، تشعر بهزة في داخلها تبدأ دورة بكاء جديدة، كيف حصلت على هذه الدرجات كيف حصلت عليها؟
{أحيانا تمر علينا لحظات ضعف، لحظات تخور فيها قوانا، لحظات قد نتناقض فيها مع أنفسنا، ويشتد بنا الألم، وتعتصر روحنا عصرا، قد تغيب عنا بعض الحقائق، قد ننسى بعض حجر الأساس ونتوه في تلك الدنيا، نحاول أن نقوم من جديد، نحبو حبوا خفيفا ونسقط مرة أخرى، ونحبو ونسقط، نصبح كما النافورة، تتصاعد تارة عاليا في السماء، وتارة أخرى تهبط تحت الأرض، تنزوي بعيدا عن أعين الجميع، ونعود وتخرج من جديد بقوة أو حتى أقوى مما سبق}.
(11-4-2011)
خديجة: أمي لا أريد أن يعرف أي أحد غيرك أنت وبابا بنسبتي، أرجوك اجعليها سرا، حتى أخوتي لا أريد أحدا أن يعرف
الأم: حسنا كما تريدين
خديجة: أمي أنا مجروحة أشعر بألم كبير في داخلي لا أعرف كيف حدث هذا، لقد خرجت من امتحان الكيمياء وأنا أقول لك بأنه أفضل امتحان حللت فيه كيف حصلت على هذه الدرجة السيئة.
الأم: قد يكون حقا أفضل امتحان حللت فيه ولكن الذين قاموا بالتصليح التزموا بالإجابة النموذجية، تريدين أن تدخلي طب، ستدخليه في السعودية، ألمانيا، عجمان، لن يؤثر هذا عليك.
خديجة: لا أمي أنا أريد أن أذهب إلى مصر، أريد أن أرجع إلى وطني أمي، يكفي أنني لم أشارك معهم في القضاء على الفساد
الأم: ماذا ستذهبين وتقولي هيا نقوم بعمل بروفا ثانية في ميدان التحرير
خديجة: ههه لا أمي، يجب أن أساهم في البناء
أنا بنت صغيرة ومعرفش حجات كتير معرفش في الدنيا ده، إلا الأليل لكن في ألبي حاجة مزروعة من يوم ما كان لسه صغير، هي إن الحرف الصادق مهما لف ودار مسيره يوصل للقلب ولو طال المطاف لو دء ألبك يا صحبي لحرفك هتبدع وتكت، أحلى كلام، وأنا يصحبي بلدي هو حرفي اللي دء ألبي له جريت على ألمي، وورأتي ظن مني إني هنأش حروفي ليه، لكني تهت وتاهت حروفي واتملت ورقتي، بكلام متشخبط عليه، يا جماعة أصل بلدي مش زي أي بلد ده بلدي ده هي الجنة لو كان على الأرض جنة.
(4-2011)
تمر الأيام، الأسابيع، لكن الجرح لم يشفى بعد ما زال في الروح ألم، جميل أن نحلم، جميل أن يكون لدينا قضية نعيش من أجلها، ومن عاش من أجل قضية نجح بالتأكيد، تلك الخديجة كانت قضيتها هي أمتها التي تخلفت، كانت تشعر بمسؤولية ودور كبير اتجاه أمتها، طمحت دوما بأن تكون ممن ستقوم على أيديهم نهضة هذه الأمة، أحبت مجال الطب النفسي منذ صغرها، تحديدا منذ أن كانت في الصف الثالث الابتدائي، حيث كانت تجالس والدتها أثناء مساعدتها لبنات جيرانها في مادة علم النفس، كانت تدرسهم عن الأطفال وتصرفاتهم ومنذ ذلك الحين نشأ قصة حب بين خديجة والدراسات النفسية، كبرت خديجة ويوما بعد يوم ازداد تعلقها بهذا المجال.
(5-2011)
فجر يوم الأحد، يوم دراسي جديد، وفجر به تفجر الطاقات في غرفة النوم المتواضعة تأتي الأم لتيقظ فتاتها لصلاة الفجر....
الأم: خدوج استيقظي للصلاة تبقى نصف ساعة على شروق الشمس.
خديجة: أمي أتمنى أن تحدث معجزة، تغيير في توزيع الدرجات، إلغاء نتيجة الفصل الثاني، أي شيء أنا أنتظر حدوث معجزة أمي.
الأم: ماذا كنت تحلمين بذلك أثناء نومك؟! قد يحدث، في سنة أختك حدث تغيير في توزيع الدرجات، لكن لا تفكري الآن فيما مضى وامضي في طريقك بنيتي من غير أن تلتفتي إلى الوراء ولا تنتظري حدوث معجزة، بل كوني أنت المعجزة.
خديجة: آه ما أجملها من عبارة أماه، سأكتبها على صفحتي في الفيس بوك، تعرفين أمي لن أتخلى عن حلمي، نعم لن أتخلى عنه بل سأحارب من أجل تحقيقه هو حلمي أنا وأنا المسؤولة عن جعله حقيقة.
أمي: إن شاء الله يا بنيتي هكذا أريدك دوما قوية ومتفائلة وواثقة بالله.
خديجة: ونعم بالله
الأم: هيا قومي يا أميرتي الصغيرة
خديجة: حسنا أمي
تقوم خديجة من فراشها تتوضأ وتصلي الفجر وبعدها تصب لها كوبا من ماء زمزم وترفع يدها للسماء وتدعو بكل ما تتمناه، لماذا الشح في الدعاء ونحن بين يدي ملك كريم عزيز بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير، تستمع أختها زينب لدعائها، تأتي إليها وتحضنها وتقول لها: أختي حبيبتي ستحققين حلمك بإذن الله، تمر لحظة عاطفية بين الأختين كم هو دافئ حضن الأحبة كم نحتاج لوجودهم بجوارنا نحتاج لحبهم لدعمهم لدفأهم.
(5-2011)
في ساحة المدرسة، يمشون الصديقتين أسماء وخديجة، متجهين لغرفة المعلمات، للاستفسار عن درجات بعض الامتحانات، تصطدم خديجة في كل مادة نقصت درجة أو درجتين في الامتحان، يجب أن تبذل قصارى جهدها لكي تحقق حلمها، حتى وإن حصلت هذا الفصل على 99 % فسوف تكون نسبتها 93% هل ستستطيع دخول كلية الطب بالـ 93%، وبعدها أيضا تجد نقص في درجاتها إن الوضع صعب، لم تعد تحتمل هذا الضغط، تبكي هذه الأيام أصبحت دموعها تنهمر بلا استئذان ولا طرق باب، تواسيها صديقتها أسماء.
أسماء: يا خديجة مازالت لديك فرصة حبيبتي لا تفعلي هذا بنفسك كل شيء سيكون بخير انظري إلي أنا الآن ليس لدي فرصة سوى نسبة في الثمانينات.
خديجة: مالك يا أسماء أترفعين من معنوياتي وتهبطين معنوياتك أنت؟!!
أسماء تمسح دموع خديجة وتقول: يجب أن نعمل كلانا بجد ونركز على هذا الفصل.
خديجة: نعم صحيح موفقة صديقتي بإذن الله
أسماء: نعم وأنت أيضا
تراهما مروة عبده شابة تصغرهم بسنة إنسانة فرفوشة ومضحكة تأتي وتجلس معهما.
مروة: ماذا هناك ماذا هناك؟؟ لماذا تبكين
خديجة: مللت من الدراسة أود أن أضرب كتاب الكيمياء تعبانة جدا.
مروة: له له يا خديجة كيف ذلك، أنت من يعطيني الأمل، أنت المتفائلة، لا تقولي هكذا، ماذا تودين أن تدرسي؟
خديجة: طب نفسي، أعشق هذا المجال
مروة: لماذا؟
خديجة: أشعر بأنني خلقت له، أحس بأن مناسبة جدا لهذا المجال وشخصيتي تتلاءم معه.
مروة: واااااااااو رائع هذا ممتاز هذا هو الصح
خديجة: أخشى أن لا أحقق حلمي
مروة: آه، إن شاء الله ربنا يوفقك و تحققي ما تطمحين إليه.
يدق جرس انتهاء الفسحة تذهب مروة إلى صفها مودعة خديجة وأسماء وكلاهما تذهبان مع بعض إلى الصف.
(5-2011)
في نهاية الأسبوع تجلس خديجة مع أختها عائشة لتساعدها في مادة الأحياء (عائشة أخت خديجة المقربة التي تكبرها بسنتين).. وبعد الانتهاء من هذه الجلسة الممتعة بالنسبة لكلاهما، تذهب عائشة إلى أمهما وتقول لها: أمي أنا سعيدة جدا بخديجة عندما أدرسها تفهم المعلومة بسرعة، تعرفين خديجة أحيانا عندما كنت أراك تدرسين الرياضيات كنت أقول في عقلي بأنك غير مناسبة للطب، الآن أدركت بأن ذكاء الرياضيات مختلف عن ذكاء الطب أرجو لك أن تحققي حلمك.
خديجة: شكرا أختي
كانت شهادة عائشة في خديجة من وجهة نظر خديجة من أقوى الشهادات لأن عائشة لم تكن من النوع الذي يحب المدح أو المجاملة، فعندما تقول لها ذلك معناها أنها صادقة كل الصدق في كلامها.
(8-2011)
تمر الأيام والليالي والأسابيع وبعد شهرين بعد أن امتحنت خديجة وحصلت على 92% تسافر إلى بلدها مصر لتكمل مشاورها بعد ثورة الخامس والعشرون من يناير زادت وطنية خديجة كثيرا زاد شعورها بواجبها والوطني وانتماءها إلى تلك الأرض المباركة مصر أم الدنيا، تقدم للتنسيق وتخرج النتيجة ولا تقبل في كلية الطب ويختار لها التنسيق المحاماة شيء لم تفكر فيه أبدا، هواء الحرية النقي الذي ملأ مصر المباركة هواء يسع الجميع بعد أن استلمت نتيجة التنسيق سافرت إلى القاهرة، بالتحديد توجهت إلى ميدان التحرير كان يوم السبت الميدان خال لا يوجد فيه أحدا إلا بائعين وأناس يعبرون الطريق هي الوحيدة التي كانت جالسة هناك، اشتد الألم بها كثيرا وبالرغم من ذلك لم تكبي ولم تنوح، مشاعر تواجدها في الميدان معلم كرامة المصريين سيطرت على روحها الحزينة مشت هناك ومشت وكانت تتخيل الثوار وهم واقفون ثابتون أقوياء صامدون، يصلون والماء يرش عليهم، رصاص مطاطي يقذف عليهم صمدوا وصبروا لأن لديهم حلم يؤمنون به؛
حلم هو حق لهم، تخليت أجسام الشهداء وهي تسقط أرضا سمعت أصوات شهادات تلقن، وقفت قليلا وقالت بصوت عالي: استناني يا حلمي أنا جيااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااالكـ
(8-2011)
تذهب خديجة في اليوم التالي إلى دمنهور لزيارة إحدى الشباب المميزين: أمين محمود، وتناقش معه قضية التنسيق والنسبة التي لا تعبر حقا عن الإنسان وأنه من حقنا أن تمشي الدولة كما نريد خاصة وإن كان غرضنا الصلاح والإصلاح وتحسين الأوضاع يوافق أمين على كلام خديجة، يعدها أمين بأن يقف معها من أجلها ومن أجل كل شباب مصر، في اليوم التالي يقوم أمين بعمل جلسة بينه وبين مجموعة من الشباب المقبلين على الجامعة يأخذ آرائهم ويعطيهم الفرصة للتعبير عن مشاكلهم وهمومهم، يتواصلون مع أحدة أعمدة الثورة وائل غنيم أدمن صفحة كلنا خالد سعيد، يساعدهم بنشر صفحة افتتحوها على الفيس بوك لهذه القضية ويصلهم بعدد من كبار الشخصيات، يقوم عدد من الشباب الذين آمنوا بفكرة أن نسبهم لا تعبر عنهم وأنهم من حقهم أن يدخلوا المجالات التي يحبونها ولديهم موهبة فيها بجولة في جميع المحافظات للقيام بلقاءات شبابية؛
بعد أن يزيد عددهم يدعوهم عصام شرف في مكتبه بحضور د. أحمد زويل وعدد من أعلام العلم في مصر، يطرحون رؤيتهم وأفكارهم وبعد أسبوع يصدر قرار بعمل امتحان لقياس المهارات يعمل عليه عدد من المختصين، وهذا الامتحان ليس فيه نجاح أو رسوب بل هو قياس للمهارات وفقا لكل مجال وما يحتاجه من مهارات، لكي يدخل كل شاب المجال الذي يتناسب مع مهاراته، تأخرت الدراسة الجامعية لمدة شهرين ولكن لكل شيء ثمن الآن أصبح الوضع أفضل بكثير، وبالعودة لصديقتنا خديجة فلقد حققت حلمها، لأنها كانت لديها مهارات متناسبة مع كلية الطب.
(10-2011)
الابتلاء هو باب التمكين، أحيانا يبتلينا الله لأنه يريد بنا خيرا يريد بنا أن نكون روادا للتغير وللتجديد، بعد كل الألم الذي عانته خديجة، حققت حلمها والأهم من ذلك أنها ساهمت في تحسين وضع بلدها وكأن الله اختارها لكي يكتب على يدها خيرا لبلدها.
(2024)
بعد 12 عاما تقف خديجة على المنصة لتلقي كلمتها في حفل استلامها جائزة نوبل لإسهاماتها في مجال الطب النفسي لتكون أول وأصغر امرأة مسلمة ومصرية تحصل على الجائزة فبدأت كلمته بقولها:
منذ أن تزوج أمي وأبي حلما بأن يرزقهما الله بطفلة ويسمونها خديجة ولدت أمي 4 أطفال وجاءت بعدهم طفلة، حلم وقتها والدي بصوت يقول له إنها زينب، وأجلوا اسم خديجة، بعدها جاء أخي يحيى وبعدها جاءت فتاة أخرى ووقتها حدث زلزال في مصر فاختارت أمي أن تسميها عائشة على اسم جدتي عائشة لأنها خافت على جدتي من الزلزال وبعدها جئت أنا وأخيرا تحقق مراد وحلم والدي باسم خديجة مع آخر طفلة لهم وكأن الله أراد أن أسمى خديجة لأحقق معنى اسمي خديجة ولدت قبل موعدها، لأولد قبل موعدي وأكون أصغر امرأة تحصل على جائزة نوبل.
النهاية
واقرأ أيضاً:
الترهات الماكثة / نا حين لا تدلُ !! / يا ألله ُ !! بعد 6 ليت أنا ما كبرنا!!! / تقوى ! / كوفاد / من قصيدة لبغداد / عسى..يا عَسى! / تعالي..تعالي! / لُعْـبَةُ الزَّوجينِ !