في المغرب جهاز، لا كالأجهزة، وبشر، لا كالبشر، لهم مكانة خاصة عند المواطنين، ولدى السلطات، ولدى الأقسام السياسية في كل دوائر السلطة، من الخليفة، إلى القائد، إلى الباشا، إلى رئيس الدائرة، إلى العامل، إلى الوالي، إلى وزير الداخلية، بالإضافة إلى الأجهزة المخابراتية. وهذا الجهاز، والبشر، هو جهاز، وبشر المقدمين، والشيوخ. وكل القرارات التي تتخذها أجهزة السلطة المختلفة، تتخذ انطلاقا من التقارير التي يرفعها المقدمون، والشيوخ إلى مختلف الأجهزة، وجهاز المقدمين، والشيوخ، هو جهاز مخزني بالدرجة الأولى.
وهذا الجهاز المخزني، له خبرة واسعة بحركة 20 فبراير، وبالأحزاب الداعمة لها، وبالأحزاب التي قاطعت الانتخابات، والتي شاركت فيها، وباليسار، وباليمين، وبالوسط، وبكل أشكال الفساد الإداري، الذي ابتليت به الإدارة المغربية، وبالفساد السياسي، الذي تمارسه معظم الأحزاب المشاركة في الانتخابات، وبالاتجار في الضمائر، وتزوير نتائج الانتخابات، وبتوجيه الناخبين إلى التصويت على شخص معين، أو توجه معين، إلى غير ذلك من أشكال الخبرة، التي يمتلكونها، ويوظفونها في علاقتهم بالمغفلين من المواطنين، الذين يسعون إليهم، لغاية في نفس يعقوب، كما يقولون.
فالمقدمون، والشيوخ، هم الآلة المخزنية التي تصل إلى كل بيت، بل إلى الفراش، وإلى كل تواجد للبشر، مهما كان بعيدا، لا ينامون حتى ينام جميع سكان المغرب، ويستيقظون قبل يقظة النوم، وهم، في نومهم، لا يستغرقون في النوم، حتى لا تمر ذبابة دون أن يسمعوها، ودون أن يرفعوا تقريرا عن تنقلاتها، في عز الظلام، إلى الجهات المعنية، بتتبع حركة الذباب، وإذا لسعتهم بعوضة، يقيمون الدنيا، ولا يقعدونها، حتى يلسع البعوض جميع المغاربة، حتى ينالوا نصيبهم من جميعا من السموم، والميكروبات، التي ينشرها البعوض بلسعاته، وإذا استيقظوا صباحا، لا يتناولون فطورهم، حتى يقفوا بين يدي الخليفة، أو القائد، أو الباشا، أو العامل، أو الوالي، حسب الجهة التي يرتبطون بها، على مستوى تقديم المعلومة، من أجل تلقي التعليمات الجديدة، التي لا تتوقف أبدا، والتي توجه مسلكياتهم، في علاقتهم بالمواطنين، آناء الليل، وأطراف النهار، وفي علاقتهم بمختلف أجهزة السلطة، من أجل أن ينشد المواطنون إلى المقدمين، والشيوخ، ومن أجل أن ينشد المقدمون، والشيوخ، إلى مختلف أجهزة السلطة.
والمقدمون، والشيوخ، خبراء بالانتخابات، من التسجيل في اللوائح الانتخابية، إلى الترشيح، إلى التصويت، إلى إعلان النتائج. فهم يعرفون، مسبقا، من هو الشخص الذي يفوز، ومن هو الشخص الذي يخسر، حتى قبل أن تعرف نتائج الانتخابات، في موعدها، سواء تعلق الأمر بالانتخابات البرلمانية، أو بالانتخابات الجماعية، كما يعرفون، مسبقا، ودون تحليل المعطيات القائمة: من هو الشخص الذي يصير كل شيء بيده على مستوى الجماعة، وعلى مستوى الحكومة؛ لأن خبرتهم لا ترقى إليها خبرة، كيفما كانت هذه الخبرة.
ونحن عندما نطرح المقدمين، والشيوخ، إلى النقاش في الميدان، لا نسعى إلى النيل من كرامة إنسانيتهم، ولكن لنسجل هدرهم لكرامة المغاربة، في مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، يتم بناء على التقارير، التي يرفعونها إلى أجهزة السلطة المختلفة. وهذا الهدر، قد يصير حرمانا من الحقوق الإنسانية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وقد يصير اعتقالا في مخافر الشرطة، وقد يصير محاكمة، وسجنا إلى أجل محدد، وحكما بالمؤبد، أو بالإعدام، ليتربع المقدمون، والشيوخ، على الأرائك المخزنية، التي تنجيهم من عذابات الحياة.
والذين يتمكنون من شغل مختلف الوظائف الجماعية، والحكومية، يمرون عبر تقارير المقدمين، والشيوخ، وخاصة الذين يشتغلون في الأجهزة الأمنية، والدرك، والجيش المغربي، لا بد أن يمروا من عين إبرة المقدمين، والشيوخ.
والذين يختارون الذهاب إلى السعودية، لأداء فريضة الحج، لا بد أن يكون المقدمون، والشيوخ، خبراء بفكرهم، وبممارستهم الاجتماعية، والدينية، وهل يرتبطون بتوجه مؤدلج للدين الإسلامي، أم لا؟ حتى لا يصير، وهو هناك، ضد المغرب الرسمي، وضد المغاربة الرسميين.
أما التجار، على اختلاف مستوياتهم، فإن المقدمين، والشيوخ، لا يعلمون عنهم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور فقط، بل يعلمون عنهم ماذا يأكلون؟ وماذا يشربون في بيوتهم؟ وأين ينامون؟ وكم يربحون كل يوم من تجارتهم؟ وما هي العقارات التي يمتلكونها؟ وكيف يتصرفون مع أبنائهم، وبناتهم، وأصدقائهم، وهل يغلقون متاجرهم في أوقات الصلاة، أم لا؟
والتلاميذ عندما يمارسون حريتهم، وهم يتجهون إلى المدارس، أو يرجعون منها إلى بيوتهم، يقوم المقدمون، والشيوخ، بإحصاء أنفاسهم، وضبط علاقاتهم، وتدوين الكلمات التي ينطقون بها تجاه زميلاتهم؛ لأن مخبريهم، في صفوف التلاميذ، وفي الأقسام، وعن تصرفات الأساتذة، وغير ذلك، مما كان يجب أن يبقى بعيدا عن المجال الذي يتحرك فيه المقدمون، والشيوخ، الذين تفوقوا على كل الخبراء التربويين، في معرفة التلاميذ.
والمقدمون، والشيوخ، هم الذين يضعون الوسط القروي، بين كماشاتهم، ولا يتحرك الفلاح، ولا يقدم، ولا يؤخر، ولا يقوم، ولا يقعد، ولا يتسوق، ولا يصوت في الانتخابات، إلا بإذن المقدمين، والشيوخ، الذين يتحكمون، بحكم العادة، في كل شيء، حتى يصير التحكم في كل شيء، بحكم الاستبداد المخزني، الذي يقف وراء التسلط، والقمع، الذي تقوم به السلطات الإدارية، والأمنية، والقضائية، والجماعية، في حق المواطنين، والفلاحين الفقراء، والمعدمين.
والمقدمون، والشيوخ، هم الذين يسلطون التحالف البورجوازي، الإقطاعي المتخلف، على الفلاحين الصغار، من أجل مصادرة أراضيهم، ومن أجل استدراجهم، لبيع ما يملكونه من أراضي، إلى البورجوازيين، والإقطاعيين، الذين يحولون الفلاحين الصغار، إما إلى عبيد الأرض، وإما إلى الهجرة، في اتجاه المدن الكبرى، والمتوسطة، والصغيرة. وهو ما يدفعنا إلى القول: بأن المقدمين، والشيوخ، بممارستهم المنحازة إلى التحالف البورجوازي، الإقطاعي المتخلف، وبوقوفهم وراء بيع أراضي الفلاحين الصغار، إلى البورجوازيين، والإقطاعيين، يصيرون واقفين وراء هجرة الفلاحين الصغار، والمعدمين، من الوسط القروي، إلى الوسط الحضري.
فالمقدمون، والشيوخ، إذن، هم الذين يمسك النظام المخزني، عن طريقهم، بكل شيء، وهم الذين يكرسون الممارسة المخزنية، في العلاقة اليومية بالمواطنين. وبما أنهم كذلك، فإنهم يستغلون مكانتهم في المجتمع، من أجل جعل الإرشاء، والارتشاء، سائدا في المجتمع، ومعضلة بنيوية، يصعب التخلص منها، لصيرورتها عقلية، وفكرا، وممارسة، في صفوف المقدمين، والشيوخ، وفي صفوف العاملين في مختلف الإدارات المغربية، وفي القضاء، وفي الجماعات المحلية، وفي صفوف المواطنين.
ولذلك، فهذه الشريحة المخزنية المباشرة، التي لا تخلو من شرفاء، اضطرتهم ظروف العيش، إلى القبول بالاشتغال في إطار هذه الشريحة، التي صارت بفعل مخزنة المجتمع المغربي، مصدرا لكل ما يعرفه المجتمع المغربي من كوارث: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، لا علاقة لها إلا بالاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، التي تعتمدها الطبقة الحاكمة.
ولتجاوز تحكم المقدمين، والشيوخ، في المجتمع المغربي، لا بد من:
1) تحديد المهام التي يقومون بها.
2) تحديد مكان تواجدهم في كل حي، حتى يقصدهم المواطنون.
3) منعهم من تكوين شبكات المخبرين، الذين يتلقون، عن طريقهم، أخبارا قد يكون الغرض منها تحقيق أهداف معينة، أو الانتقام من شخص معين... إلخ.
4) أن يعملوا تحت أنظار المواطنين، حتى يتجنبوا القيام بما يلحق الضرر بهم.
5) أن يتمتعوا بالحق في الحد الأدنى للأجر، الذي يجب أن يتناسب مع متطلبات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
6) أن يلتزموا بعدم الارتشاء، مهما كانت الشروط المغرية بذلك؛ لأن دافع الرشوة، لا يسعى إلا إلى تحقيق حرمان غيره من حقوق معينة، تكون قد هضمت بدفع الرشوة إلى المقدم، أو إلى ألشيخ.
والتحول في عقلية المقدمين، والشيوخ، لا بد أن يرتبط بتحقيق مطالب الشعب المغربي، المتمثلة في إسقاط الاستبداد، وإسقاط الفساد، وتحقيق دستور ديمقراطي شعبي، وحل الأحزاب الإدارية، وتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومحاسبة ناهبي الثروات العمومية، ومنتجي الفساد الإداري، والسياسي، وتطهير القضاء من الفاسدين، والمفسدين، وتطهير الإدارة المغربية، من كل الذين عرفوا بفسادهم، وإنشاء هيأة مستقلة، لإجراء الانتخابات، وإجراء الانتخابات تحت إشراف الهيأة المذكورة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، بعيدا عن توجيه المقدمين، والشيوخ، وعن فبركة أجهزة وزارة الداخلية، حتى يصير عمل المقدمين، والشيوخ، في مصلحة عموم المواطنين.
ابن جرير في 9 / 12 / 2011
ابن جرير في 9 / 12 / 2011