يعاني اختصاصيو العلوم النفسية في المجتمعات العربية الكثير على مستوى التفاعل المهني والاجتماعي. فهناك "أمية نفسية" واضحة، تبدأ من المدرسة وتنتهي بالجامعة، فـ"الثقافة النفسية" تكاد تكون ضعيفة جدا، إن لم تكن معدومة في حياتنا العربية. وموقف المجتمع من هذا الاختصاص ومرضاه سلبي، فهناك حواجز انفعالية وعاطفية وغيبية ما بين الاختصاص والمجتمع، تتطلب جهودا ومطاولة وروح إصرار صعب ومكلف.
وقد أسهم "الرعيل الأول" من اختصاصيّ العلوم النفسية في بدءِ خطوات الكفاح المتواصل، حتى أفلحوا في زعزعة بعض الثوابت الاجتماعية السلبية. وبرغم أن الفهم العلمي والموضوعي للأمراض النفسية قد بدأ في بلادنا قبل قرون، انطلاقا من بغداد والقاهرة ودمشق، لكننا انحدرنا إلى عصور ما قبل وعينا ونهضتنا وإشراقنا الحضاري الصريح.
وفي هذا "الزمن المعلوماتي" الذي تتدفق فيه المعرفة من كل حدب وصوب، وعبر وسائل اتصال لم تعهدها البشرية من قبل. فإن المهمة الملقاة على عاتق اختصاصيّ العلوم النفسية تزداد قيمة وتأثيرا ومسؤولية، مما يحتم علينا أن نستفيد من هذه الوسائل التفاعلية المعاصرة بأقصى ما نستطيعه ونتمكن منه، لإحياء قيمة ودور العلوم النفسية في الحياة العامة.
ويبدو للمتفحص الدقيق لأحوالنا على مدى العقود الماضية، أن الأمية النفسية قد أسهمت في تداعيات اجتماعية وثقافية مريرة، أدت إلى الدخول في حلقة مفرغة من الخسران والفقدان الكبير للطاقات والقدرات والمساهمات الحضارية الأصيلة. ولهذا فأن المطلوب هو التمسك بالمنابر الإعلامية، وشبكات التواصل ألمعلوماتي وتحقيق إرادة فعلنا وتطلعاتنا من خلالها.
فليس من المقبول أن لا نبذل ما نستطيعه من الإسناد المادي والمعنوي والمعرفي، لأي منبر نفسي علمي يسعى لتقديم المعرفة النفسية للجميع. سواءً موقع إليكتروني أو شبكة تواصل، أو مجلة أو كتاب أو برنامج إذاعي أو تلفازي وغيره من النشاطات الإيجابية النفسية. وتقف "شبكة العلوم النفسية العربية" في مقدمة المنابر المهنية المنيرة، التي تجمع العقول وتضعها على ناصية التفاعل الثقافي والعلمي والفكري الخلاق، اللازم لتأكيد أفضل الخدمات النفسية والوعي النفسي في المجتمع.
وما علينا إلا أن نكون السبّاقين المتفاعلين بما لدينا من الطاقات والإمكانات لدفع مسيرة الشبكة العربية للعلوم النفسية إلى أمام، لتنمو وتتطور بفضل جهودنا ومساهماتنا وقدراتنا المعرفية، التي تحقق اليقظة النفسية وتواكب التطورات المتنامية في مجتمعاتنا المتوثبة نحو مستقبل زاهر سعيد.
فما أحوج المجتمع إلى الإرشاد النفسي والتنوير الثقافي السلوكي الذي يحقق سلامة الحركة الحضارية الإنسانية، ويزودها بآليات ومهارات التعبير الإيجابي عن منطلقاتها النبيلة السامية.
تحية لكل اختصاصي نفسي يساهم في رفد شعلة النور الإنساني بوميض عطائه وبرهان ضيائه الفياض.
واقرأ أيضاً:
الإعلام والإساءة للطب النفسي / أصول الخلاف بين النفسانيين وثقافة مجتمعاتنا (3) / الاضطرابات النفسية: ظواهر مرضية أم أعراض شيطانية؟؟ / أفكار مغلوطة عن الطب النفسي.. لماذا؟