إهـــــداء إلـــــــى:
ـ كل من ساهم في حركة الشعوب، في البلاد العربية، ضد الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
ـ الشعوب، في البلاد العربية، التواقة إلى الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
ـ إلى الشعبين العظيمين: في تونس، وفي مصر، الحريصين على الذهاب بثورتهما إلى أن تتحقق كل طموحاتهما.
ـ من أجل أن تستمر الثورة في البلاد العربية، حتى يتم القضاء على معاقل الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
ـ من أجل الرفع من وتيرة تعبئة الشعوب، حتى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
بين ثورة الطبقة وثورة الشعب:.....7
والمقدس الذي يؤمن به أفراد الشعب، لا يكون إلا مجردا والاقتناع بالإيمان به لا يحتاج إلى قوة قمعية.
وبما أن الحكام ليسوا مقدسين بالفعل، وبما أن الشعب في كل بلد من البلاد العربية، لا يقتنع بتقديسهم، فإن تقديسهم يفرض على الشعب بقوة الحديد، والنار، على مدار الساعة. فكل أجهزة الدولة تتهيأ لذلك، من المجلس التشريعي، إلى الهيأة القضائية، إلى الحكومة، إلى قوات القمع المتعددة الألوان، والأشكال القمعية، لجعل تقديس الحكام أمرا واقعا، وليصير الخضوع المطلق للحكام، كنتيجة لتقديسهم، أمرا واقعا أيضا، ليصير كل ذلك وسيلة لتأبيد سيادة قدسية الحكام، ولتأبيد السيطرة على الدولة، ولتأبيد حكمهم على أساس قدسيتهم.
والحكام لا يكتفون بدعم القوة الغيبية لهم، من منطلق أن القوة الغيبية مجردة، لا تدرك بالعين المجردة، والتي قد لا تجد اهتماما بالغا من قبل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، نظرا لانشغالهم باليومي عن التفكير في المجرد، الذي يجعلهم يستغرقون في تقديس الحاكم، مما يجعل علاقتهم بالتقديس ضعيفة، وعلاقتهم بتقديس الحكام ضعيفة أيضا. وهو ما يستوجب عدم اكتفاء الحكام بافتراض دعم القوة الغيبية لفرض تقديسهم، فيلجئون إلى فرض تقديسهم بواسطة القوة المادية، عن طريق تقديم المزيد من الامتيازات إلى الأفراد، وإلى الجماعات، وإلى الجهات، وإذا لم ينفع تقديم الامتيازات، فهناك قوات القمع التابعة لأجهزة الدولة المختلفة، وهناك القوانين القمعية، وهناك القضاء غير المستقل، وهناك السجون، وهكذا، حتى يتمكن الحكام من فرض تقديسهم على الشعب، في كل بلد من البلاد العربية.
وانطلاقا من اعتماد القوة الغيبية، في فرض تقديس الحاكم على الشعب، في كل بلد من البلاد العربية، فإن الثورة ضد الحكام المقدسين كبشر، يستعبدون الشعب، ويصادرون حرياته، ويفرضون استبدادهم به، ليحرم من الممارسة الديمقراطية، حتى يتفرغوا، كطبقة، لممارسة همجية استغلال كادحيه، مما يجعل النضالات المختلفة، التي تصير الثورة واجبة على الشعب، للتخلص من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، ولفرض الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وللتخلص من تقديس غير الله. وهذه الثورة الواجبة، تنسجم مع الطبيعة الإنسانية، التي ترفض ممارسة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية. وإلا فإن القبول بالخضوع إلى الحكام، انطلاقا من قدسيتهم، ينفي عن الشعب طبيعته الإنسانية، ليجعل منه مجرد بشر مستلب، لا فرق بينه وبين الحيوانات، التي يرعاها مالكوها، ويتصرفون بها كما يشاءون، دون أن يسالوا عن تصرفهم.
وما يجري من ثورات، الآن، في البلاد العربية، والتي تواجه بكافة أشكال القمع، يمكن اعتباره خير دليل على أن تقديس غير الله قائم على الأرض، خاصة، وأن حاملي المعتقدات المختلفة، تساهم، وبكثافة، في هذه الثورة على الحكام، حتى تحقيق الانتصار، وتحقيق أهداف الثورة، في نفس الوقت، لينتفي بتحقيق أهداف الثورة، تقديس الحكام، وتبقى بذلك القدسية خالصة لهو وحده، ولا مقدس غيره، كما جاء في القران: وأن المساجد له فلا تدعو مع الله أحدا فكأن ثورة الشعب في البلاد العربية، هي ثورة من أجل تحقيق أهداف معينة، تتمثل، بالخصوص، في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. وهي كذلك ثورة من أجل تصحيح المعتقدات، وإخلاص القدسية لهن وحده.
وزوال قدسية الحكام، ترتبط مباشرة بزوالهم، ليصيروا منفيين خارج البلد المعني بتحقيق الثورة، أو معتقلين في السجون، من أجل محاسبتهم على ما اقترفوه من انتهاكات جسيمة في حق الشعب، الذي كانوا يحكمونه، كما حصل في البلاد العربية، التي سقطت فيها قدسية الحكام عمليا، في أفق رحيلهم عن الحكم، واختيارهم المنفى القسري، أو في أفق إسقاط حكمهم، واعتقالهم، ومحاكمتهم على الجرائم التي اقترفوها.
ويظهر أن وجود أحزاب مؤدلجة للدين الإسلامي، سوف يصير مقدمة لاستعادة الاستبداد المصحوب بالقداسة من جديد؛ لأن هذه الأحزاب، تدعى أنها "تجاهد" باسم الله، من أجل نصرة الله، ضد حاكم ظالم، من أجل تحقيق إرادة الله بالانتصار على الحاكم، لتصير تلك الأحزاب ممثلة لله على الأرض، ومن أجل أن يصير تمثيل الأحزاب لله، وسيلة لإخضاع العصاة من البشر، لإرادة الله، والقضاء على الكفار، والملحدين، وكل الذين ينسبون للبشر، ما هو من عندد الله، فكأن الشعب لم يوجد لذاته، ولم يمتلك وعيه بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وكأنه لا يحق له أن يقرر مصيره، وكأن المعتقدات وجدت لتعذيب الشعوب، على أيدي الحاكم، الذين يستندون في حكمهم إلى معتقد معين، ليجعلوا من أنفسهم ممثلين لله على وجه الأرض، حتى يمتلكوا من البلاد العربية، أو على أيدي الأحزاب المؤدلجة للدين، التي تدعي هي بدورها تمثيلها لله على وجه الأرض، ليصير ذلك التمثيل وسيلة لفرض الاستبداد بالشعب، إذا وصلت تلك الأحزاب المؤدلجة للدين إلى الحكم.
لقد وجد الدين، في الأصل، للتأمل في الكون، واستنتاج ما يجب، لجعل وجدان المتأمل يطمئن إلى المستقبل، وإلى التخلص من المعتقدات الفاسدة، المسيئة إلى الإنسان، الذي يصير متخلفا بتلك المعتقدات.
فالتأمل في الكون، هو الذي ساعد على تجريد فكرة الله، بعد أن كانت مجسدة في الطبيعة، أو في الحيوانات، أو في البشر، أو في التماثيل التي يصنعها الإنسان.
وما ورد في القران، من تأمل إبراهيم، إلا دليل على ذلك، فقد قال الله: "فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ"(الأنعام 78:77). فقد قام إبراهيم، حينها، باستنتاج بليغ، يهدف من ورائه إلى تخليص قومه، من الانشغال بصناعة الأوتان، وعبادتها، وبطرق تعتبر مهينة للإنسان، ومن أجل أن تصير فكرة الله مجردة، كما جاء في القران: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)" (الإخلاص)، وكما ورد فيه أيضا: "ليس كمثله شيء".
وتجريد فكرة الله، إذا كانت تهدف إلى شيء، إنما تهدف إلى جعل العبادة، انطلاقا من معتقد معين، شأنا فرديا، ولا يستطيع أي كان، أن يدعي تمثيل الله، لأن الله لا يتواصل مع البشر، إلا إذا اختارهم ليصيروا أنبياء، أو أنبياء رسلا، يبلغون رسالاته إلى البشر، إلى أن انقطعت العلاقة به، بنزول قول الله: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، على رسوله محمد بن عبد الله.
وإذا كانت المعتقدات السماوية، تهدف إلى توحيد عبادة الله، والقضاء على الشرك به، فإن ادعاء تمثيله على الأرض، في كل المعتقدات السماوية، قاد إلى ممارسة الشرك المبرر، بسبب عبادة الحكام، وعبادة الأحزاب المؤدلجة للدين، أو زعماء تلك الأحزاب، كما يحصل على أرض الواقع.
وإذا كانت ثورة الشعب، في أي بلد من البلاد العربية، تهدف إلى وضع حد للقداسة، ليبقى أمر الشعب للشعب، بما في ذلك مؤسسات دولته، التي يختارها، فإن الأحزاب المؤدلجة للدين، تسعى إلى الركوب على ثورة الشعب، لإزاحة الحكام من الحكم والحلول محلهم في تمثيل الله، وفي فرض الاستبداد، الذي يمكنها من فرض الحكم بقطع الأيدي، والأرجل، والرقاب، تطبيقا لما يسموه "شريعة الله"، ليفرضوا بذلك الشرك بالله، كممارسة يومية للمحكومين، تجاه الحزب المؤدلج للدين، وتجاه زعيمه.
وانطلاقا مما رأيناه بالنسبة للأحزاب المؤدلجة للدين، التي تسعى إلى تكريس تمثيلها لله على الأرض فإن علماء، وفقهاء الحكام، الذين يمتلكون جيشا بأكمله، والذين يسمون ظلما ب "العلماء" يحرصون، وباستماتة، على فرض تمثيلية الحكام لله على الأرض، من أجل أن يستحقوا ما يتلقونه من الحكام، جزاءا لهم على ما يقومون به، إلا أن هؤلاء الفقهاء / العلماء، عندما تحتد الثورة الشعبية ضد الحاكم، ينفرطون من حوله، انفراط العقد، من الجيد،، وينتظرون، قبل أن يلتحقوا بالثورة، لتسقط بذلك دعواهم لتأييد قداسة الحاكم، كما حصل في تونس، وفي مصر، وكما قد يحصل في أي بلد عربي. وهو ما يتبين معه أن فقهاء / علماء الحكام، الداعين لتقديسهم، يرتبطون باستمرار الحاكم، فإذا زال، زالوا، ليلتحقوا بالغالية العظمى من الشعب، أو ليلتحقوا بالأحزاب المؤدلجة للدين. وفي الحالتين معا، يغيرون خطابهم الانتهازي، الذي يتغير بتغير الشروط الموضوعية القائمة، حتى يستمروا في الاستفادة من الأوضاع، حتى وإن تغيرت تلك الأوضاع.
ويتبع>>>>>>>>>>> : ماذا تعني الثورتان: التونسية، والمصرية، بالنسبة للشعوب؟.....12