تعد تربية الأطفال أحد خصوصيات الأسرة التي لا يمكن لأحد التدخل فيها. وقد نادى المتخصصون في التربية إلى ضرورة الاهتمام بطريقة تنشئة الأطفال وتربيتهم؛ نظرا لما يشهده المجتمع في الآونة الأخيرة من زيادة في الوعي حيث يحرص العديد من الآباء والأمهات على أن يكونوا على قدر كافٍ من الدراية بالطريقة العملية السليمة لتربية الأطفال.... ويعد الضرب أحد وسائل الاعتداء الجسدي على الأطفال حيث يعرف الاعتداء على الأطفال بأنه السلطة التي يكتسبها الأب، أو الأم، أو الشخص المسؤول عن رعاية الطفل عند تعرض الطفل إلى مخاطر، أو إعاقات نتيجة الاعتداء البدني، أو اللفظي، أو الإهمال في احتياجات الطفل الأساسية التي تؤثر على النمو.... وللاعتداء على الأطفال أنواع كثيرة منها الاعتداء الجسدي Physical Abuse ، الاعتداء اللفظي Verbal Abuse ، الاعتداء الجنسي Sexual abuse ، وإهمال الأطفال Children Maltreatment
والضرب (الاعتداء الجسدي على الأطفال Physical Abuse) يعني تعرض الطفل إلى إصابة جسدية متعمدة من الوالدين، أو من الشخص المسؤول عن رعاية شئون الطفل. ويستدل عليه بوجود علامات على جسد الطفل مثل وجود علامات سياط، أو وجود كدمات في مناطق مختلفة على جسد الطفل مثل وجود كدمات على الوجه والأذن والتي قد تكون نتيجة لصفعة على وجه الطفل، وكدمات على الردفين والظهر والتي قد تكون نتيجة للضرب المبرح، والكدمات هلالية الشكل والتي قد تكون نتيجة لعضة آدمية. بالإضافة إلى الكدمات على الجزء الداخلي في الردفين والتي قد تكون نتيجة للطريقة العنيفة التي قد يستخدمها بعض الآباء للتعامل مع مشكلة التبول اللاإرادى Nocturnal Enuresis في الأطفال.
علاوة على هذا فإن الضرب قد يؤدي إلى الإصابة في العين نتيجة للضرب بقسوة على الوجه في منطقة العين من ما قد يؤدي لإصابة الطفل بنزيف في العين أو انفصال في الشبكية مع إمكانية وجود كسر أو شرخ في جمجمة الطفل أو إصابته بنزيف في المخ نتيجة للضرب على رأس الطفل، أو الضرب في الحائط، أو جسم صلب، كما قد يؤدي الضرب إلى إصابة الطفل بنزيف داخلي، أو تهتك في الكبد، أو الطحال نتيجة لضرب الطفل بقسوة في بطنه، أو استخدام اللكمات الموجهة إلى البطن، بالإضافة إلى إمكانية وجود حروق في أجزاء مختلفة من جسم الطفل نتيجة لاستخدام الحرق بالكبريت، أو اللسع بالسيجارة، أو الماء الساخن كنوع من العقاب البدني Corporal Punishment .
هذا ويؤثر الضرب (العقاب البدني) على سلوك الأطفال وعلى تطورهم النفسي حيث يؤدي بهم إلى الانعزالية أو العدوانية مع وجود سلوكيات متطرفة، والخوف الشديد، والقلق من التعامل مع الآخرين، والرغبة في البقاء خارج المنزل أطول فترة ممكنه، والهروب المستمر بسبب الخوف من العودة للمنزل (خاصة خلال فترة المراهقة)، مع الشكوى من آلام في الجسم بدون وجود أسباب واضحة لها، أو السير بطريقة غير مريحة، ولبس ملابس كثيرة غير ملائمة مع حالة الطقس رغبة في تغطية الجسم.
وفي معظم الأحيان فإن الآباء الذين يعتدون على أبنائهم جسدياً يكون أسلوب العقاب البدني هو أسلوب التربية الذي اتبعه آباؤهم للتعامل معهم في طفولتهم فاعتقدوا خطأ أنه أنسب طريقة لتربية الأطفال. بالإضافة إلى هذا فإن صغر سن بعض هؤلاء الآباء وعدم وجود أي توعية بطرق تربية الأطفال خاصة مع الطفل الأول، مع وجود علاقة سيئة بين الوالدين والطفل تتمثل في استخدام أسلوب الإهمال، أو الحرمان، والاعتداء اللفظي عند التعامل مع الطفل، واحتمال إصابة الأبوين أو أحدهما باضطراب، أو مرض نفسي، أو تعاطيه المخدرات، تعد كلها عوامل مساعدة تمهد لحدوث الاعتداء الجسدي على الأطفال من الوالدين، أو ممن يتولون تربيتهم، ورعاية شئونهم.
وغالبا ما يكون الأطفال الأكثر عرضة للاعتداء الجسدي هم الأطفال الذين يعانون من نشاط زائد وتشتت في الانتباه، والأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم وعدم القدرة على التحصيل الدراسي، والأطفال العدوانيون تجاه والديهم والرافضون للاستجابة لأوامرهم، والأطفال الذين يعانون من أزمات صحية مزمنة مثل حالات الصرع أو بعض حالات الربو.
أما عن الأسباب الاجتماعية التي قد تؤدى إلى حدوث الاعتداء الجسدي على الأطفال فهي الأزمات بين الوالدين مثل الخلافات المستمرة، الفقر الشديد، البطالة لدى الوالد وعدم القدرة على تحقيق متطلبات الأسرة، انعزال الأسرة عن المجتمع مثل بعض الأسر الريفية التي تنزح إلى المدينة في عدم وجود أصدقاء لها أو أفراد من نفس البيئة يساعدونها ويعطونها الأمان النفسي.
هذا ولا نستطيع أن ننكر أن الآباء قد يلجئون إلى استخدام أسلوب العقاب البدني على الطفل كأحد الطرق المتاحة في تهذيب الطفل، إلا أن هذا الأسلوب لا يمكن استخدامه إلا في مواقف معينه مثل: تعرض الطفل لأحد المخاطر التي قد تؤذيه إيذاءً شديدا، أو تعرض حياته للخطر، مثل الاقتراب من النار، أو عمل شيء فيه خطورة شديدة على حياته، كما أن هذا الأسلوب في العقاب قد يكون فعالا عندما لا يستجيب الطفل لطرق العقاب الأخرى مثل التوبيخ، والتحذير، والعزل.
وفي مثل هذه الحالات يجب استخدام أسلوب العقاب البدني لكن يجب مراعاة بعض الأمور عند استخدام هذا الأسلوب حتى لا يتحول إلى اعتداء جسدي على الطفل مثل أن تكون طريقة التهذيب مناسبة للموقف، ودرجة استيعاب الطفل، وأن يكون العقاب البدني على أجزاء معينه من جسم الطفل لا تتأثر تأثراً سيئاً يهدا العقاب حتى لا تتعرض صحته للخطر مثل تعرضه لحدوث إصابات في أماكن خطرة من جسده، وتعد منطقة الفخذ أفضل مكان آمن للضرب .
هذا ويجب أن يدرك الآباء أن الهدف الأساسي من العقاب هو أن نجعل الطفل يتفهم السلوك الخاطئ وليس الهدف إرهابه أو تخويفه. لذا فيجب علي الآباء أن يوظفوا العقاب البدني بطريقة سليمة لا تؤثر على أبنائهم في المستقبل، حيث أن كثرة الضرب وإيذاء الأطفال قد يؤدي في النهاية إلى تكون الشخصية الجبانة، غير القادرة على مواجهة صعاب الحياة، واتخــاذ القــرار، كما أنه يجعل الشخص دائم اللوم للآخرين حيث يلقي بتبعات أخطائه عليهم لأنه لا يستطيع مواجهة أخطائه بشجاعة. بالإضافة إلى هذا فإن العقاب البدني قد يؤدى إلى ظهور مشكلة أخرى أكثر خطورة وهي الكذب الذي قد يلجأ إليه الطفل حتى يهرب من العقاب الذي قد يلقاه.
واقرأ أيضاً:
أبناؤنا والأسر المعتلة / الاعتداء الجنسي على الأطفال / الطفـل العنيـد (18)
التعليق: يا ليت الدكتورة الفاضلة توضح لنا في مقالات كيف نربي طفلا وحيدا من أسرة مفككة ؟
كيف نعامل ونعوض غياب الأب ؟ دلال أم قسوة ؟
أم لا نشعره بنقصان والده من البيت ؟
كيف تفسر للطفل سبب الانفصال ؟