نحن مشغولون بالشئون السياسية، أدمنا خوض حروب داحس والغبراء الحزبية، وصار الوطن ضحية النزاعات والخلافات، وأصبح الطبقُ الشعبي الفلسطيني المسيطر على قادة الأحزاب جمعَ ورصد أخطاء المنافسين من الأحزاب الأخرى، لا لتصحيح مسارهم، وإنما لتوريطهم كمقدمة لإزالتهم من الطريق الموصل إلى السلطــــــة!! وازدهر سوقُ المعلقين والمحللين وما بينهما يشقون الجيوب ويستغيثون، بدون أن يجرؤوا على توجيه الاتهامات المباشرة بالأسماء والصفات خوفا من نتائج تحليلاتهم وآثار هجماتهم!! أما الموضوعات الرئيسة والقضايا المركزية في صراعنا مع المحتلين الإسرائيليين، فقد أسدلوا عليها ستائر النسيان!!
وكذلك أهملوا القضايا التي تخدم قضيتنا، وإثارتها في الألفية الثالثة تعضد قضيتنا، لأنها تتغلغل إلى عقول شعوب العالم، للأسف فإن هذه القضايا المهملة فلسطينيا تكفَّلتْ بها بعضُ الصحفُ الإسرائيلية، وأبرزها الإعلامُ الإسرائيلي وناقشها وتابع مسارها!! فمنظمات حقوق الإنسان، وأنصار السلام في إسرائيل، ومعظم اليساريين، هم الذين يرصدون ملفات العنصريات الاحتلالية، فهم يتابعون القهر الاستيطاني، والترنسفير الزاحف، والعنصرية ضد الجنس غير اليهودي، حتى قضايا الاعتداءات على الفلسطينيين الأبرياء!
فقد تابعَ الإعلامُ الإسرائيلي قضية حرق أسرة غياظة وهم يركبون سيارتهم عندما ألقى حريدي يهودي متزمت يسكن البؤرة المغتصبة (بات عين) من أرض قريتهم في محافظة بيت لحم، فألقى زجاجة مولتوف داخل سيارة الأسرة يوم30/8/2012 ، وأسفر ذلك عن حروق خطيرة في الأطفال والأم، وتابعَ هذا الإعلامُ أيضا وما يزال يتابع، قضية الاعتداء على الشاب الفلسطيني جمال جولاني، وسط ميدان القدس، الذي شارك في التنكيل به أكثرُ من ثلاثين شابا، أمام الشرطة وكاميرات التصوير، بدون أن يتدخل أحد، وكذلك كسر رجل الشاب إبراهيم أبو طاعة بقضيب حديدي، لأنه فلسطيني يعمل في القدس (الغربية) المحظورة على ( أهلها) ساكني القدس الشرقية يوم 7/9/2012.
ولم تكتفِ وسائلُ الإعلام بالقضايا السالفة، فقد رصدتْ وسائلُ الإعلام تلك التمييز العنصري في مدارس القدس الشرقية (قدس الفلسطينيين)! فقد أشارت معاريف إلى ما يتعرض له الطلابُ الفلسطينيون من تمييز عنصري، لدرجة أن 27% فقط من طلاب الصف الثاني عشر، يستطيعون الدخول للمدارس التابعة لبلدية القدس، أما الباقي 73% فلهم الشوارع، أو العمل الخدمي!
فمعدل التسرب الطلابي الفلسطيني يصل إلى أكثر من 40% أما باقي طلاب القدس فمشردون!! " معاريف 2/9/2012" أما هارتس فكتبت افتتاحيتها الرئيسة يوم 3/9/2012 بعنوان (التمييز العنصري في التعليم) وقالت:
" اعتاد القادةُ السياسيون من اليمين واليسار أن يٌقسموا بالقدس في كل مناسبة:
" فلتنسني يميني إن نسيتك يا أورشليم" بدون أن يحولوا معاني القسم إلى إجراءات تُنصفُ سكان المدينة، فقد انتظم الطلاب الإسرائيليون في مدارسهم وفرح بهم آباؤهم، أما طلاب شرق القدس ( الفلسطينيون) فقد بلغ النقصُ في فصول الدراسة عندهم ألفٌ ومائة فصل، وهذا النقص مسجلٌ منذ ثمانية عشر شهرا، ويضاف إلى ذلك عدم وجود مكتبات مدرسية!
وأقدمتْ بلدية القدس بتنفيذ خطط [ إنماء]!! ففي أحياء أبو طور والعيسوية وسلوان، يرى الطلاب بعيونهم كيف تحولتْ مدارسهم إلى مشاريع سياحية لتخدم مدينة داود الكبرى!!"
وتابعتُ أنا أيضا ما جرى في مدارس الفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ عام 1948 فوجدت أن التمييز العنصري في التعليم قد طالهم أيضا، فطلاب إسرائيل استقبلوا صباح الأول من سبتمبر بالسعادة والحبور بصحبة أولياء أمورهم، أما مواطنو إسرائيل من الدرجة الثالثة (الفلسطينيون)، فقد أضربوا عن دخول المدارس، إما بسبب وجود مدارسهم في مناطق نائية لا يستطيعون الوصول إليها بسبب الطرق الوعرة كما حدث في القرى الفلسطينية التابعة لحيفا، وإما لأن هناك إهمالا في حماية كثير منها، وإما لأن هناك نقصا كبيرا في المدرسين والكادر الوظيفي المدرسي!!
فقد غضَّتْ الشرطة الإسرائيلية طرَفَها عن حماية كثير من المدارس، ولم تعد تكترث بما يحدث في تلك القرى، وكأنها كانتونات في دولة مستقلة لا تتبع إسرائيل، على الرغم من أن سلطة الضرائب تداهم تلك القرى وتجبي النقود بالقوة، فقد غضّتْ الشرطةُ النظر عن مفسدين كثيرين عاثوا في المدارس فسادا، لدرجة أن مدير مدرسةٍ في شفا عمر تعرَّض لتهديدٍ بالسلاح، حتى يخضع لمطلب أحد أولياء الأمور!!
وللعلم فقط فإن إسرائيل قد نزعتْ من (الطلاب الفلسطينيين) هذه الاسم الحقيقي حتى لا ينضموا إلى بقية شعبهم، ويبقوا- وفق الرؤية الإسرائيلية- مجرد أقلية عربية، تسكن إسرائيل مؤقتا، جاءت من الدول العربية المجاورة واغتصبتْ أرض الميعاد!! وللعلم أيضًا فإن عدد الطلاب الفلسطينيين يبلغُ نصف مليون طالب، أي أنهم يشكلون ربع طلاب إسرائيل كلها، وإن ما يمنح لهم من الميزانيات أقل بكثير من نصف النصف، كما أن هناك نقصا في فصول الدراسة يبلغ ستة آلاف ومائة فصل دراسي، وهناك نقص أيضا في طاقم التدريس والإدارة يبلغ أربعة آلاف موظف!!
سأظلُّ أحلمُ بأن نتمكن نحن الفلسطينيين من استخدام هذه (الملفات) العنصرية، التي تُظهر وجه إسرائيل الحقيقي، وتكذَب ادِّعاءها (كواحة فريدة للديمقراطية في الشرق الأوسط)!!
إن هذه الملفات تُعزِّز نضالنا الفلسطيني العادل وتصل إلى الرأي العام العالمي أسرع بكثير من خطابات (العرش) التي يُلقيها الفخامات والسعادات والسادة والمعالي، الإخوة رؤساء الوزارات والوزراء، في موضوع (فقه) انسداد الأفق السياسي!!
وهي أيضا تفوق في سرعة وصولها إلى عقول الرأي العام العالمي كلَّ تحليلات معظم متفيهقي الأحزاب العرب والفلسطينيين، وأكثرية أساتذة العلوم السياسية!! كما أن تكاليف إعداد هذه الملفات، أقل بكثير من احتفالات البذخ بمناسبات الانطلاقات، ودعوات الغداء والعشاء في الفنادق الفاخرة!!
كما أن نتائجها العملية أكثر جدوى من خطب (عطوفات) المشايخ والساسة والقادة الذين اعتادوا أن يدعوا على دولة إسرائيل بالويل والثبور والخسران في الدنيا والآخرة!!
واقرأ أيضاً:
مبيدات حريـة الرأي!!! / الدعاية الصهيونية تتهم العرب ببث الكراهية والحقد / اللغة العربية في إسرائيل/ مفارقات الداخل الإسرائيلي / الدعم النفسي للأطفال في ظروف الحرب