الطب النفسي الروحي وروافده الإيمانية النورانية في الوحي الإلهي وسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
لعل من نعم الله على الإنسان أن فضله على سائر المخلوقات وعلمه الأسماء كلها، ثم أعطاه حرية الاختيار إما شاكرا وإما كفورا. ولم يتركه حتى بعث الأنبياء المرسلين كي يذكروه بالحق الذي يحاول الشيطان دائما أن ينسيه إياه. ألا إن الحق الذي نطق به المرسلين هو توحيد الله وحبه وعبادته وحب الخير لخلقه كما يحبه الإنسان لنفسه. وكل ما أمر الله به هو تدريب على هذا الحب وهذه العبودية ومن لم يتحصل له من عبادته هذا الحب وهذه الرحمة فعبادته تحتاج إلى كثير من المراجعة والتحسين.
"وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ".165 البقرة.
وكل ما نهى الله عنه الله عز وجل، جوهره هو الابتعاد عن الأثرة والحقد والحسد والبغضاء فمن هذه المشاعر تتولد جميع الجرائم مثل السرقة والزنا والقتل. فكل هذه الجرائم ما هي إلا اعتداء على النفس والآخرين وسبب الإعتداء هو مشاعر الحقد والبغض وسبب هذه المشاعر هو ترك الحب والتسامح والعطاء ويرجع ذلك كله إلى البعد عن معنى العبودية الحقة لله وتوحيده والحب المطلق له سبحانه وحب الخير للخلق الذي خلقهم الله عز وجل. يقول الله سبحانه: "وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور" النور:40
وأكرم الله عز وجل الناس بأن أرسل الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم فزين الأرض به ونور الأرض بالقرآن العظيم آخر كتب الله المنزلة من السماء لهداية البشر ومساعدتهم للوصول إلى مرضاة الله ومن ثم قربه. وأعظم ما دعا إليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو الحب المطلق لله وحب الخير لخلقه ومن ذلك ينبع التسامح والعفو الجميل والحب الغير مشروط إلا حباً في الله العظيم.
قال عز وجل "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" 56 الذاريات. ويقول أيضاً: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ". 25 الأنبياء
ويقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس أحبوا الله من كل قلوبكم". وقال أيضاً: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
وقال شمس الدين بن القيم: "وأصل العبادة وتمامها وكمالها هو المحبة، وإفراد الرب سبحانه بها، فلا يشرك العبد فيها غيره. ومدار كتب الله تعالى المنزلة من أولها إلى آخرها على الأمر بتلك المحبة ولوازمها" قال الله تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ". 165 البقرة.
قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: "واعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فرض ومن شواهد المحبة قوله تعالى: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" 54 المائدة، وهذا دليل على إثبات الحب لله وإثبات التفاوت عليه".
وفي الحديث الصحيح: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: ما أعددت لها؟ قال: يا رسول الله: ما أعددت لها من كثرة صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب وأنت مع من أحببت" فما فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بها".
لقد بذل الرسول صلى الله عليه وسلم كل جهده ليساعد خلق الله الذي يحبهم لأنه الله سبحانه هو الذي خلقهم. وبذل صلى الله عليه وسلم كل جهده ليخرجهم من ظلمات عبادة الأوثان وغير الله إلى نور عبادة الله وحبه. وأخلص الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم الناس التوحيد والأخلاق وكل ما يحبه الله ويرضى عنه حتى رضي الله عنه وصلى عليه. عليك مني يا خير معلم ويا خير حبيب ويا خير خلق الله أفضل صلاة وأفضل تسليم.
فمن أراد اتباع الرسول فهذه سنته التي ملأت بالحب المطلق لله وحب خلقه أجمعين. "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"31آل عمران. فالحب هو سنته، وهو جوهر الدين الذي دعا إليه كما دعا إليه الأنبياء والرسل من قبله صلى الله وسلم عليهم أجمعين.
تذكر دائما أن الحب هو سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. درب نفسك وأولادك وأهلك على الحب والتسامح والعطاء.
استغرق في أوقات كثيرة في التأمل والحب المطلق لله فهذا هو ذكر الروح. روحك التي بها فضلك الله على المخلوقات وبها تعرج إلى الله عز وجل حتى وأنت في هذه الدنيا. لقد عشت زمنا طويلا بالثقافة المادية التي علمها لك البشر فهل حققت السعادة وهل اقتربت من الله؟. أما آن لك أن تنفض الغبار عن روحك وتكتشف حقيقتك التي ظللت متغافلا عنها، حقيقتك أن جلك روح إن لم يكن كلك والجزء اليسير هو جسدك الذي لا تعلم عنه شيئا إلا قليلا.
تخيل أنه لم يكن هناك مرآة هل كنت ستعلم شكل وجهك؟
بالطبع لا، ولكنك بالرغم أنك لم تكن تعرف شكل وجهك فإنك كنت تعيش وتحيى وتفكر وتتواصل وتحب. إذاً فأنت لست وجهك بل إنك كيان روحي أعظم من ذلك بكثير. وهل تعلم شكل قلبك أو كبدك أو معدتك او رئتيك أو أمعاؤك أو مخك أو أعصابك أو عضلاتك أو شرايينك وأوردتك؟
هل تعلم شكلها؟ هل تعلم وظيفتها وكيف تعمل؟ إن قلبك يدق 72 دقة في الدقيقة ويظل يضرب طوال مكوث روحك في هذا الجسد؟ فهل أنت الذي أمرته أم الله؟ ومعدتك هل أنت الذي تشغلها أم الله؟ ورئتك هل أنت الذي تأمرها بالتنفس أم الله؟ وسائر جسمك هل أنت الذي تأمره بالعمل أم الله؟
إنه هو الله الذي خلق جسدك ويأمره بالعمل وينظم عمله دون تدخل منك. الله الذي تنساه وهو يملك كل ذرة فيك ويأمرها بأداء عملها على أحسن وجه دون تدخل منك. فهل عصى القلب أمر الله يوما ولم يدق؟ وهل عصت المعدة أمر الله ولم تهضم؟ وهل عصت الرئتان يوما الله ولم تتنفس؟ بالطبع لا ولا تستطيع ذلك لأنها تطيع الله وله تسبح وله تسجد؟ قد تقول وهل تسبح وتسجد أعضائي لله؟ نعم تسبح وتسجد أيضا لله. وتسبيحها في أداء عملها الذي كلفها الله به. إن كل ذرة فيك تسبح لله على المستوى اللاواعي الذي لا تشعر به أو تتغافل عنه. وهذا الجسد الذي هيأه الله لروحك لتحيى به على الأرض تتغير خلاياه دوريا ويتغير شكله على مدار رحلتك على هذه الأرض.
بل إن خلاياه تموت وتحيى بطريقة متفاوتة حتى لا ينهار الكيان الجسدي للإنسان. جسدك دائما في حالة بناء وهدم وتعديل وحالة روحك النورانية أو المظلمة على حسب عملك وقربك وبعدك من مصدر النور وخالقه الله سبحانه وتعالى هي التي تحدد نوع حياة الخلايا المولودة إما خلايا صحيحة نورانية وإما خلايا مريضة مظلمة.
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
وقال سبحانه أيضاً موضحاً حال من كفر به وبارزه بالمعاصي ومخالفة قوانين الله للحياة: "أوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور" النور 40. يعلم هذا من له علم بالروح والنفس والجسد حتى أن آخر تقرير لجامعة هارفرد الأمريكية يؤكد على أن 80% من الأمراض العضوية سببها نفسي وهو يوافق ويعلو على تقرير جامعة سان فرنسيسكو الفرنسية.
واقرأ أيضًا:
الطب النفسي الإسلامي / وصمة المرض النفسي : ليست من عندنا! / قيمة العقل في الإسلام ! ماذا جرى؟ / سارة وأخواتها في المؤتمر، ما شاء الله