بدأت يومها بصوت منبه يخرجها من نومها، بدا صوته كطبول الحرب تدق ليوم جديد وصراع، صراع الحياة بين فيضان البشر وتعقيداتهم. جالت بناظريها لتجد صغيرها متدثرا بفراشه يغط قرير العين هانىء البال، وكان هذا همها كونها المكون العائلي الوحيد هنا, بداية يوم تكون بصلاة لخالق الأكوان ودعاء بأن يمدها بالقوة لتمضي قدماً, بدأت برياضتها المعتادة وكلما تذكرت أيامها البائسة السابقة تزداد حدة وسرعة تمارينها وكأنها تفريغ لشحنات الغضب التي راكمها هو في نفسها, أنهت شريط الذكريات الذي لا ينفك عن الظهور؛
بدأت بتحضير طعام الصغير, علا صوتها في المكان لتوقظه لكنه يغطس في نومه توجهت له بدأت بمحاولة الوصول له وهو ملتف بفراشه كفأر صغير, اضطرت لحمله وعلامات الاستياء بادية عليه, لكن طعامه المفضل كان كفيلا بإخراجه من حالة النعاس, ارتدى الصغير ملابسه بدا كرجل صغير وهو يهتم بتفاصيل ثيابه وخصلات شعره ونفحة عطر وخرج راكضاً يجر رائحة عطره إذ جاءت حافلة المدرسة لكنها نادته تريد أن تطبع قبلة فوق وجنتيه تريد أن تستمد قوتها بضمه عاد لها ليعطيها ما تريد وغادر, كل يوم يكبر الصغير وثمة حب ينمو في قلبها, ثمة رابط يربطها به.
بدأت لستعدادها ليوم عمل شاق وطويل وهي تقلب أشياءها ظهرت أمامها مساحيق تجميلها لم تستخدمها قط, كانت تؤمن بأن ليس هناك أجمل من خلق الخالق ويعجبها وجهها كما هو دون قناع يخبأ حقيقتها دون ألوان تظهرها كمهرج أحمق.
توجهت لعملها وفي داخلها تلك الهمة والقوة التي تجعلها تجابه الحياة لوحدها, هي أم وأب ومعيل لابنها, هي مثله الأعلى ولن تخذله, هي شجرة السنديان التي تقبع شامخة رغم الزمن وتقلباته تتنفس العزة والكرامة وتعلم كيف تتشبث بحياة كريمة لا يمكن لعاصفة أن تقتلعها وتلقيها كأوراق الخريف المتهالكة هي دائمة الخضرة, هي امراة تعيش حياتها كما يناسبها أسقطت اعتبارات المجتمع البالية وموروثه المهترىء, أن لها أن تؤمن بقيود صنعها البشر, كيف لها أن تصدق جملة أفكار عتيقة متخلفة تحط من كيانها الإنساني هي لا تقبل بأحكام صدرت مقدماً, هي تعرف ربها وترعى ولدها وتسعى في الدنيا لعيش كريم وتلك مساعيها في الدنيا فهل هناك ما هو أنبل من رسالتها كأم لولدها.
انتهى يوم العمل, وتوجهت لبيتها لتجد صغيرها ينتظر وجبة طعام أخرى, رغم التعب الذي ألم بها لكن الصغير ينتظر, حضرت طعامه وراقبته يلتهم طعامه, راقبت أنامله الصغيرة وفمه الصغير وجدت علامات الرضا بادية على محياه أنهى طعامه وطبع قبلة على وجهها وشكرها وذهب ليلهو ثمة ابتسامة تعلو وجهها, تلك ابتسامة تسرقها من الزمن وأحواله.
واقرأ أيضاً:
صداقة الموتى / رسائل لن تصل / الربيع الصامت / الترهات الماكثة / نا حين لا تدلُ !! / موعد ! / دخـولٌ ومغادرَةٌ! / شـاحِبَةٌ أنتِ ! / وقت لطقطقة الأصابع