"أنوه بداية إلى أنني لا أستعمل هذه الكلمات أعلاه للإساءة، وإنما للإشارة إلى تراث موصوف برعاة البقر، ووصف "الثور الأمريكي" شبيه بوصفي "الدب الروسي" و"التنين الصيني"، وربما بوصف "الحصان العربي"."
تقلص حجم زمجرة الرئيس الأمريكي على سوريا، فقرر الاختباء وراء مجلسي التشريع الأمريكيين، أو الكونغرس! ظن بداية أن أمريكا التي كانت ما زالت، ويبدو أنه اكتشف أن تلك لم تعُدْ موجودة؛ كانت تكتفي أمريكا سابقاً بالتهديد والوعيد السريعين، ثم تحشد قواتها وتوجه ضرباتها، وواضح أنها وجدت نفسها الآن غير قادرة على القيام بما اعتادت القيام به على مدى سنوات من الناحية العسكرية. قوتها العسكرية تضخمت وكبرت، لكن غيرها اكتسب قوة عسكرية متصاعدة تُلقي بثقلها على تصرفات أمريكا العسكرية على الساحة العالمية.
لم يكن الموضوع السـوري سـهلاً منذ بدايـة الأزمـة في سـوريا، وكل من ظن عبر الفترة السـابقـة أنـه يسـتطيع حسـم المعركـة بسـهولـة وجد نفسـه مخطئاً، ووجد في النهايـة أن سـوريا برمتها هي الضحيـة. منذ البدء وبعض فصائل المعارضة السورية تُطالب جنباً إلى جنب دول عربية و(إسرائيل) وتركيا بتدخل أجنبي لكي يحسم الأمور ضد النظام القائم، وابتهج هؤلاء وفرحوا بعد مشكلة السلاح الكيماوي على اعتبار أن أمريكا قررت في النهاية وضع حد للنظام. وقد أوضحتُ الكثير من الأمور في مقالي المعنون: الثور الأمريكي والمغامرات الحربية أن الأمر ليـس سـهلاً، وأن أمريكا سـتُعاني من هزيمـة إن لم تُهاجم، ومن هزيمـة أكبر إن هاجمت وواجهت رداً، وأنها فقط سـتنتصر إذا هاجمت دون مواجهـة أي رد.
أيقن الرئيس الأمريكي أن محور المقاومة المتمثل بإيران وسوريا و"حزب الله" الصامت سيرد بقوة على أي هجوم أمريكي، وتحقق جيداً من صلابة الموقف الروسي، ومعارضة الموقف الصيني، فقرر أن يحذو حذو رئيس وزراء بريطانيا والاختباء وراء المجلس التشريعي. وبذلك انتقل الرئيس من موقف التصميم على ضرب سوريا، إلى موقف المعَلّق بقرار الكونغرس والذي قد يكون مع وقد يكون ضد. وستشهد الأيام القادمة جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة حول الضربة، والاحتمال كبير أن يكون الرأي العام الأمريكي ضد الهجوم، وتبعاً لذلك سيكون قرار الكونغرس. المهم أن العضلات التي كشـف عنها الرئيـس الأمريكي بدايـة تقلصت لتكون من الدرجـة الثانيـة. لم يعد الثور ثوراً هائجاً، وبدت عليـه علامـة العجولـة القابلـة للذبح.
وبسبب الحَيرة التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية والارتباك اتخذت قراراً يُعطي سوريا عشرة أيام ذهبية وضرورية في الاستعداد العسكري فيما إذا تم الهجوم؛ تستطيع سوريا خلال هذه الأيام أن تأتي بكميات من الأسلحة الفتاكة، وتستطيع نقل معدات عسكرية إلى أماكن جديدة، وإقامة مجسمات لمواقع عسكرية ومعدات مزيفة وتبث إشارات للأقمار الصناعية وكأنها حقيقية، وتستطيع ان تحفر بالمزيد تحت الأرض،... إلخ. ويستطيع "حزب الله" القيام بالمزيد من النشاطات التكتيكية التي تجعله أقرب إلى حيفا. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران. أنا لسـتُ عسـكرياً، لكنني أُدرك إسـتراتيجياً أن الولايات المتحدة قامت بعمل يتناقض تماماً مع أبسـط أنواع الذكاء العسـكري التكتيكي.
ما قام به الرئيس الأمريكي يُشكل نصف هزيمة، والخيار العسكري ما زال قائماً. ومن المحتمل أنه ساعد الفرنساويين على المطالبة بدور للجمعية التشريعية الفرنساوية قبل أن تُقرر الرئاسة الفرنساوية خوض الحرب. ولا شك أنه صدم حلفاءه العرب والصهيانة والأتراك.
من المهم أن تبقى الأصابع على الزناد لأن احتمال العدوان الأمريكي ما زال قائماً، ومن المهم للذين يسـتنجدون بالدور الأمريكي أن يفكروا في حل مشـاكلنا العربيـة الداخليـة دون التدخل الغربي الذي طالما أسـاء للعرب والمسـلمين.
ما يجري الآن يُشـكل مفصلاً تاريخياً في المنطقـة العربيـة الإسـلاميـة من حيث أن محور المقاومـة يُثبت نفسـه، وما زالت الفرصـة مفتوحـة أمامـه ليُثبت نفسـه بالمزيد. حقق المحور نصف انتصار حتى الآن، ومن المحتمل أن الهجوم الأمريكي سـيصب في صالح تحقيق نصر مكتمل. إذا تراجعت أمريكا عن تهديدها، أو إذا هاجمت وفشـلت فإن موازين كثيرة في المنطقـة العربيـة الإسـلاميـة سـتتغير.
هناك دول عربيـة سـتُصاب بنكسـة قويـة يصعب معها الاسـتمرار في التخريب في المنطقـة لصالح أمريكا و(إسـرائيل)، وهناك قوى حزبيـة في لبنان وفلسـطين سـتُصاب بالذهول والوهن. أي أن النفوذ الأمريكي الإسـرائيلي سـيتقلص، والمبادرات العربيـة تجاه (إسـرائيل) والتفاوض معها سـتُعاني من خيبـة واسـعـة!!!
واقرأ أيضاً:
بطيخ جنين والخيانة الوطنية / الرد ولو بصاروخ / الاستيطان والكذب على شعب فلسطين / الثور الأمريكي والمغامرات الحربية