منذ لحظة قبولي معاهدة السلام كواقع مرّ يفرض بداية جديدة، وأنا أنبه إلى هذه النكتة الملحقة السخيفة، والحمد الله أنها لم ترد في نص المعاهدة حتى لا يضحك علينا التاريخ، هذه النكتة التي تقول بتحديد موعد آخر الحروب، الذي لا يتحدد إلا يوم القيامة، أقول منذ هذه اللحظة، وأنا ادعو إلى ثقافة الحرب التي هي ليست مرادفة إطلاقا لإعلان الحرب، هذه الثقافة تحتاج إلى القبول بواقع مؤلم بقدر ما تحتاج إلى استعمال نوع من التفكير السليم، والتخطيط الطويل المدى. التفكير السليم لا يتم فقط بالعقل الظاهر بل يتم أساسا باستيعاب برامج البقاء التي حافظت على بقاء الواحد في الألف من الأحياء بفضل الله حتى كرم بني آدم فوق قمة الهرم الحيوي الذي نعرفه.
للأسف هذا التكفير البقائي السليم يبدأ من منطلق أن الحياة صراع إنتاجي إبداعي، وأنها فرض عين على كل إنسان مكلف بحمل الأمانة وتعمير الأرض والحفاظ على كرامة البشر، بدءا بأرضه مستعينا بكل المستضعفين وأنصارهم ممن يعايشون آلامهم ويعرفون حقوقهم. للأسف فإن هذا التفكير بالذات هو الذي أطلقوا عليه اسم التفكير التآمري – ولا مؤاخذة – ربما ليحتكروه لهم دوننا تحت أي مسمى خبيث رشيق، أو بدون اسم، فالتآمر لا يحتاج إلى تسمية.
لا بقاء لمن يريد أن يحمل أمانة البقاء، ويعيش مكرما كما خلقه الله، وهو يحافظ على الحياة لنفسه، ولنوعه، إلا لمن يستوعب أننا إنما نعيش مؤامرة كبرى انتقلت للأسف من المؤامرة بين الأنواع، إلى المؤامرة داخل النوع الواحد بين الثقافات المتنافسة على قيادة القطيع.
كما نصحت الإخوان أن يقرأوا محاكمة سقراط ومأساة الحلاج، وجدت أن من حق الجانب الآخر من المتحمسين للنموذج الحر جدا جدا، وارد بلاد برة، أن يقرأوا بدورهم كتابا اسمه "نظرية المؤامرة" وهو من تأليف ماتياس بروكرز، وهو كتاب يكاد يكون في التطور البيولوجي قبل أن يكون في الفكر السياسي، فهو بعد استعراض بيولوجي رائع عن نشأة الحياة، وعن أن برنامج التآمر هو الذي جعل الواحد في الألف الذي نجا من الانقراض من الأحياء يبقى حتىى الآن، ينبهنا من البداية أيضا (ص 7) إلى خطورة " نشوء نخبة سلطوية فوق قومية أقل عددا – في علاقتها بسكان الأرض - وأكثر سطوة مقارنة بعلاقات السلطة السابقة"، ويردف ذلك بأن "ثلة من عمالقة الرأسماليين يحكمون العالم سرا، أما اليوم فترتفع القهقهة – نظرا إلى شبكة رأس المال المالي العالمية ومركزة الاتحادات الاحتكارية.
وبعد؛
دون الدخول في التفاصيل، ولدعوة القارئ العادي للمشاركة أكثر، المسألة يمكن إيجازها كالآتي:
للحفاظ على بقائنا، علينا أن نحسن قراءة الأحداث القريبة جدا، والمحلية جدا، في سياق قراءة التاريخ، ولغة المال، والمكسب والخسارة، والاستقلال والكرامة جميعا، ويبدأ ذلك بتوسيع مدى الرؤية، لكل حدث مهما بدت محليته، ومن ثمَّ تكون البداية الحتمية هي تحديد العدو الحقيقي والأصلي المستفيد من كل خطوة تخريبية أو تعطيلية أو إفشالية، نحن لنا أعداء كُثْر، وعدونا الأول هو إسرائيل (هل عندكم اعتراضٌ "سلاميٌّ مبتسم"؟!!) وحليفتها أمريكا،، وليس إيران أو حماس ولا حتى الإخوان، وحتى لو صنفوا كلهم أعداء، فلا بد من ترتيبهم تنازليا؛
وأيضا لا بد من البحث عن علاقتهم المباشرة وغير المباشرة بخرابنا المستعجل وببعضهم البعض، نعم علينا أن نحدد العدوْ الأوْلى بالعداوة، ثم نرتب بقية الأعداء على حسب علاقتهم به، وهذا يتطلب العودة إلى تعلـّم واستعمال التفكير التآمري دون خجل، ودون تردد، وهو التفكير الذي يدفعنا للعمل طول الوقت للبقاء أحياء مكرمين، لا ننخدع مبتسمين لمن يدس لنا السم الحر في الفيس بوك، ولا نُستدرج لمعارك فرعية مع بالونات مخيفة، تلهينا عن العدوْ الاصلي، الأوْلى بالعداوة طول الوقت.
الجمعة 3-1-2014
واقرأ أيضاً: