لم يكن قد مر على إتمامها عامها الخامس سوى أسابيع حين بدأت رحلتها الأولى إلى المدرسة.. وقفت كباقي الأطفال، كفها في كف أبيها.. كل كفِّ صغير في كف كبير! وأسماء تنادي .. وأطفال يتركون الأكف الكبيرة ويتحركون ليصطفوا صفوفا طويلة.. فوجئت حين نودي اسمها بأبيها يرد! اندهشت لماذا يرد؟ هل هو أنا؟
توالت الأيام.. تدخل فناء المدرسة كل يوم لتجد أطفالا كثيرين يجرون ويتحدثون .. يتشاجرون ويتصايحون .. لحظات ويدق الجرس ويبدأ اليوم الدراسي. تملكتها رغبة في أن تصل للمدرسة قبل أي أحد، وأن تدخل من البوابة لتجد الفناء خاليا تماما، والأشجار لا تتكوم حولها الحقائب، والأصوات لاتتطاير وتتصادم وتتراشق من هنا وهناك..
لم تبح بأمنيتها .. كل يوم في الطريق إلى المدرسة وكفها في كف شقيقها الذي يوصلها.. يراودها الأمل في أن تكون أول الواصلين، واليوم .. بعد أيام كثيرة .. كان الفناء خاليا .. صامتا.. أخيرا تحققت أمنيتها. الشمس الضعيفة تلقي مساحات واهنة من الضوء على الأرض.. الفناء يبدو واسعا.. تشعر بنفسها _وهي واقفة في وسطه_ بأنها أصغر من كل يوم، وأقرب للأرض من كل يوم!
أسندت حقيبتها لشجرة وبدأت تدور حولها.. تتسارع خطواتها فيما يشبه العدو.. تجري بين الأشجار .. تنتبه لوحدتها .. تقترب من جذع الشجرة وتستند إليه .. تتأمل لحاءه العجوز وتتحسسه.
يفجؤها صوت متسائل: انتِ واقفة هنا ليه؟
يمسك يدها .. يأخذها إلى فصلها لتفاجأ بكل الطفال جالسين في أماكنهم.. ومكانها هو الوحيد الخالي!
واقرأ أيضاً:
أغنِيَاتٌ لصاحِبَةِ الفستانِ الأسودِ ! / الترهات الماكثة / نا حين لا تدلُ !! / موعد ! / دخـولٌ ومغادرَةٌ! / شـاحِبَةٌ أنتِ ! / وقت لطقطقة الأصابع