1- التأويل أو الإسقاط
وهو أن يفسر الباحث نصوص الوحي من خلال مفاهيم ونظريات نفسية حتى وإن كانت غير متفقة معها، فيؤول نصوص الوحي كي تتفق مع المفاهيم النفسية الحديثة. والأمثلة على هذا كثيرة، وأكتفي بواحد منها، وهو تشبيه عدد من الباحثين النفسيين(أنظر: الطويل، 1977م، وأبو العزائم، 1398هـ، وإسماعيل، 1398هـ، والسمالوطي، 1400هـ، ومرسي، 1412هـ) أحوال النفس (المطمئنة والأمارة واللوامة) التي وردت في القرآن بأقسام النفس الثلاثة (الهو والأنا والأنا الأعلى) في نظرية التحليل النفسي عند فرويد (1960م).
إن هؤلاء الذين سلكوا منهج التأويل والإسقاط يعدون أحوال النفس السابقة أقساماً لها ثم يشبهون هذه الأقسام الثلاثة بأقسامها عند فرويد، فيشبهون الأمارة بالهو ويشبهون اللوامة بالأنا الأعلى. وهذا التشبيه منهم لا يتفق مع المفاهيم القرآنية، لأن الاطمئنان والأمر بالسوء واللوم على التقصير كلها أحوال لنفس واحدة، وهي أحوال تتعاقب ولا تتصارع، أما ((الهو)) و((الأنا)) و((الأنا الأعلى)) فهي عند فرويد كيانات ثلاثة تتصارع فيما بينها داخل جسد واحد. وممن نبه إلى الاختلاف بين المفاهيم القرآنية والمفاهيم الفرويدية فذكر أن الأولى أحوال للنفس بينما المفاهيم الفرويدية أقسام لها، محمد عثمان نجاتي (1417هـ) ومحمد محروس الشناوي (1413هـ).
وربما بعض من سلك منهج التأويل والإسقاط سلم بأن المفاهيم القرآنية أحوال للنفس وليست أقساماً لها ومع ذلك فهو يؤول المفاهيم القرآنية بما يتفق مع نظرية فرويد فيشبه الحال بالحال – حال الصراع أو حال الاطمئنان في المفهوم القرآني بحال التوازن النفسي في نظرية فرويد. وهذا التشبيه لا يستقيم أيضاً لأن حال الاطمئنان في المفهوم القرآني تختلف عن حال التوازن في المفهوم الفرويدي، هي في المفهوم القرآني حالة خاصة من الاطمئنان قد تكون مصحوبة بحرمان أو عدم إشباع للغرائز سواء كانت جنسية –وهي عظيمة الأهمية عند فرويد – أو غير جنسية، بينما التوازن في المفهوم الفرويدي هو بين مطالب الهو الغريزي والأنا. وهناك فرق آخر بين المفهومين وهو أن منشأ حالة الاطمئنان في المفهوم القرآني هو التدين، والدين عند فرويد نوع من العصاب الجماعي، أما ظاهرة التوازن النفسي عند فرويد فلا علاقة لها بالتدين إطلاقاً إذ هي قائمة على إشباع الحاجات.
إن هؤلاء الباحثين الذين سلكوا منهج التأويل والإسقاط فأولوا الآيات القرآنية بما يتفق وما قرره فرويد في نظريته يظنون أنهم بذلك ينصرون الإسلام ويسجلون سبقاً للقرآن، وهذا في الحقيقة ليس فيه ثناء على القرآن أو الإسلام بقدر ما ثناء على فرويد وترويج لمدرسته من خلال تقديم مرتكز شرعي لها، وهذا لو كان صحيحاً لا غبار عليه، ولكن الأمر بخلاف ذلك. وبالإضافة إلى ما ينطوي عليه هذا المنهج من تفسير آيات القرآن ومفاهيمه على غير وجهها، فإن فداحته تظهر بارزة بينة إذا علمنا أن بعض النظريات التي يسقطها بعض الباحثين على النصوص الشرعية هي نظريات ثبت خطؤها وتخلى عنها الباحثون في الغرب، فمثلاً نظرية فرويد في أقسام النفس التي سبقت الإشارة إليها رفضها كثير من الباحثين في الغرب منذ أكثر من نصف قرن والاتجاهات المعاصرة في علم النفس بخلافها.
2- التوظيف والاشتقاق
وهو أن يحاول الباحث الجمع بين المفهوم الذي مصدره الوحي والمفهوم الذي مصدره علم النفس الحديث فيؤلف بينهما مشتقاً مفهوماً جديداً ثالثاً. وهذا لا غبار عليه بشرطين: أولهما أن لا يكون المفهوم الجديد معارضاً لحقيقة علمية سواء كانت شرعية أو غير شرعية، ذلك لأن الحقيقة واحدة كما سبق. أما معارضة نظرية نفسية فهذا مما يحتمل وهو أمر ممكن لأن النظرية غير الحقيقة وهي عرضة للقبول والرد، وثانيهما أن لا يحتوي على تناقض داخلي، فالتناقض الداخلي في النظريات والمفاهيم النفسية سبب في رفض النظرية، ودليل على فشلها.
والأمثلة على هذه الطريقة غزيرة، ويحضر الباحث الآن مثال واحد فقط، وهو ربط مالك بدري (1413هـ) بين ما ورد في القرآن من الحث على التفكر في خلق السماوات والأرض وبين مفهوم ((التأمل الارتقائي)) (Transcendental Meditation)، فمن خلال جمعه بين هذه المفهومين حدد أربع مراحل يمر بها التفكير عند المسلم، والمفهوم الذي انتهى إليه لا يتعارض مع حقيقة علمية سواء كانت شرعية أو نفسية، كما أنه يتسم بالاتساق الداخلي.
وعموماً هذه الخطوة ليست يسيرة أبداً على الباحثين لأنها تستلزم أمرين: الأول العلم الشرعي والثاني وجود ضوابط يدرك بها الباحث المقبول والمردود في علم النفس. وهذا يقتضي البحث في موقف حركة التأصيل من علم النفس الحديث.
المراجع:
الطويل، عزت عبدالعظيم (1977م). دراسات نفسية وتأملات قرآنية. الإسكندرية: مكتبة نشر الثقافة.
أبو العزائم، جمال ماضي (1398هـ). القرآن وعلم النفس. (في) كلية التربية، ندوة علم النفس والإسلام 12 – 16/11/1398هـ. ج1. جامعة الرياض (سابقاً).
إسماعيل، زكي (1398هـ). علم النفس بين منهج العلم وموقف الإسلام. (في) كلية التربية، ندوة علم النفس والإسلام 12 – 16/11/1398هـ. ج14. جامعة الرياض (سابقاً).
السمالوطي، نبيل محمد توفيق (1400هـ). بحوث في التوجيه الإسلامي للإرشاد والعلاج النفسي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
مرسي، سيد عبدالحميد (1412هـ). ونفس.. وما سواها. سلسلة دراسات نفسية إسلامية. القاهرة: مكتبة وهبة.
نجاتي، محمد عثمان (1417هـ). القرآن وعلم النفس. ط6. بيروت: دار الشروق.
الشناوي، محمد محروس (1413هـ). التصوير الإسلامي لنماذج السلوك البشري، دراسة نفسية إسلامية، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثامن 1413هـ/ 1993م ص352-410.
بدري، مالك (1413هـ). التفكر من المشاهدة إلى شهود: دراسة نفسية إسلامية. هيرندون: المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
يتبع : .............. التأصيل الإسلامي لعلم النفس5
واقرأ أيضًا:
الاستشفاء بالقرآن في الطب النفسي المعاصر / فاعلية العلاج النفسي الديني في الوسواس القهري(2) / التغيرات العصبية الدماغية المصاحبة للخبرات الدينية / الدين والطب النفسي مشاركة