مقدمة:
ما هي أهمية تجربة دخول المدرسة للطفل والأسرة والمجتمع؟
تعد تجربة دخول المدرسة لأول مرة تجربةً هامةً جداً للطفل، لأنه يتعلم منها أنه يستطيع البقاء لوحده في مجتمعٍ واسع غريبٍ عنه ليس فيه ماما أو بابا أو أحداً من أفراد أسرته، فتقوى نفسه ويشتد عوده. شأنها كشأن خطواته الأولى على الأرض لما مشى لوحده، ونومه في سريره لوحده، وأكله وشربه بيديه لوحده.
إنها الاستقلالية!! أو ما يدعى بالإنكليزية Autonomy تلك القدرة المهمة جداً للطفل، التي كلما نمت في نفسه ونضجت زاد معها توقع نجاحه وتميّزه مستقبلاً. فهي كالماء الذي يسقي شجرة الثقة والقدرة في نفسه.
فلقد وجدت دراسات عديدة أن الأطفال الذين عانوا من فشل في دخول المدرسة هم أكثر عرضة مستقبلاً للفشل الدراسي والمصاعب الزوجية والعزلة الاجتماعية وصعوبات العمل مقارنةً بغيرهم من الأطفال الذين نجحوا في دخول المدرسة. كما وجدت الدراسات أن قلق وخوف المدرسة يتحول إلى أشكال أخرى من القلق في الكبر، بحيث يكثر مراجعة هؤلاء الأشخاص للعيادات النفسية مستقبلاً.
ولكن قد يرفض الطفل المدرسة فماذا نفعل؟!
والجواب ببساطة: ندخله المدرسة! وكل تأخير يوم يزيد الطين بلة، ويزيد صعوبة الموقف ويصّعد القلق من المدرسة في داخله...
ولكن كيف ندخله المدرسة؟! وقبل ذلك لماذا يرفض المدرسة؟! وقبل كل شيء ما هي هذه الحالة؟!
أولاً: ما هي هذه الحالة؟
خوف الطفل من المدرسة أو رفضه الذهاب إلى المدرسة School Refusal أمر شائع وقد يمر به الطفل في أي وقت خلال حياته, وهو عبارة عن حالة قلق من الذهاب الى المدرسة، وغالباً لا تكون من المدرسة بحد ذاتها!
فهذه الحالة عرضٌ وليس مرض بحد ذاته، ويجب البحث عن المرض الأساسي المسبب لها قبل كل شيء. ويجب التمييز بين هذه الحالة وحالة التهرب من المدرسة Truancy or Bulling or School Withdrawal بسبب التمرد والعناد عند الطفل.
لذلك يُصنف الأطفال الذين يرفضون المدرسة إلى ثلاث فئات:
1- أطفال يرفضون المدرسة مع أعراض قلق: مثل قلق الانفصال أو الرهاب الاجتماعي (خجل).
2- أطفال يرفضون المدرسة بدون أعراض قلق، تهرباً أو تسيباً: كنوع من التمرد على سلطة الأبوين، أو بسبب إهمال الأبوين لهذا الموضوع وتساهل أحدهما أو كليهما.
3- حالات مختلطة قلق مع تهرّب أو تسيب.
ثانياً: هل هو منتشر؟
تشاهد هذه الحالة عند 2-4 % من الأطفال، وتشاهد في كافة الأعمار من 5-17 سنة، إلا أنها تكثر بشكل أساسي في مرحلتين عمريتين:
1- عند سن دخول المدرسة لأول مرة حتى سن 9 سنوات، وأشيع سبب لها هو الخوف على حياة الأبوين أو خوف الانفصال عنهما Separation Anxiety.
2- عند الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة أو في المرحلة المتوسطة، وأشيع الأسباب هي الصعوبات الاجتماعية Social Difficulties وخاصة الرهاب الاجتماعي Social Phobia.
ثالثاً: ما هو سبب رفض الطفل الذهاب إلى المدرسة؟
ليس سبباً واحداً بل مجموعة من الأسباب. وفي كثير من الأحيان يكون سبب رفض الطفل الذهاب إلى المدرسة غير معلن به من قبل الطفل وغير متوقع أيضاً. ولتحقيق نظرة شمولية دقيقة تمحّص جميع الأسباب المحتملة لرفض الطفل المدرسة، لا بد أن نتأمل في شخصية الطفل نفسها، وكذلك علاقاته في البيت والمدرسة.
بالنسبة لعلاقات الطفل:
في البيت: للطفل علاقات مع: أمه وأبيه وأخوته مع أو بدون الخادمة بصورة دائمة، والأقارب بصورة عابرة مؤقتة.
في المدرسة: للطفل علاقات مع: المعلم، الزملاء ومنهم الأصدقاء المقربين بصورة دائمة، المدير والموظفين والمعلمين والأطفال الآخرين والمرشد الطلابي بصورة عابرة مؤقتة.
وبين البيت والمدرسة يوجد طريق مع أو بدون حافلة المدرسة وقد يكون سبب الرفض هنا، فلا يغيب عن البال هذا الجزء....... وفيما يلي مخطط يصف علاقات الطفل في البيت والمدرسة. وبالاعتماد على هذه الشبكة من العلاقات حسب المخطط نجد أن هناك أسباب كثيرة ومتعددة، ويمكن تصنيفها إلى أربعة أسباب رئيسية:
1- أسباب تتعلق بالطفل نفسه
سمات شخصية الطفل:
ضعف المهارات النفسية أو الاجتماعية: عدم القدرة على اكتساب أصدقاء مقربين.
ضعف المهارات الدراسية: التقصير في الأداء و التحصيل المدرسي لسببٍ ما.
مستوى الذكاء: قد يكون مستوى الذكاء هو سبب نفور الطفل من المدرسة، في 3 حالات:
1- ذكاء الطفل مرتفع والمدرسة عادية لا تلبي طموحه في المدرسة، مما يسبب الملل والضجر للطفل من المنهاج وطريقة التدريس.
2- ذكاء الطفل منخفض دون المستوى المناسب، مما يجعل المذاكرة والحفظ شاقة على الطفل.
3- أو أن ذكاء الطفل عادي والمدرسة ذات برنامج صعب يناسب فقط فئة الموهوبين (ممن ذكاؤهم فوق الطبيعي).
أمراض تصيب نفس الطفل:
القلق (الخوف): ويشمل : قلق الانفصال - الوسواس القهري – نوب الذعر أو القلق الشديد - اضطرابات عدم التأقلم بعد الإجازة الطويلة أو المرض أو تغيير في المدرسة - الرهاب الاجتماعي- رهاب الاختبارات.
أخرى: اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه - الكآبة أو اضطراب المزاج - اضطرابات اللغة كالتأتأة – أحد أنواع صعوبات التعلم كعسر القراءة (ديسلكسيا) – اضطراب أسبرجر Asperger وهو من أنواع طيف التوحد الذي قد لا يُكتشف.
ملاحظة: لكل نوع من هذه الاضطرابات النفسية برنامجه العلاجي الخاص، والذي لا مجال هنا لذكره.
2- أسباب تتعلق بالعائلة
الأبوين (أحدهما أو كليهما): مرض شديد - مشاكل عائلية: كانفصال الوالدين أو الطلاق أو العنف المنزلي - الإساءة الجنسية أو الجسدية أو العاطفية للطفل.
الإخوة: الغيرة – ولادة طفل جديد - الإساءة الجنسية أو الجسدية أو العاطفية للطفل.
3- أسباب تتعلق بالمدرسة
المعلمين: طريقة التعليم غير مناسبة – الإساءة الجنسية أو الجسدية أو العاطفية للطفل.
الكادر الإداري: الإساءة الجنسية أو الجسدية أو العاطفية للطفل.
الزملاء: الإساءة الجنسية أو الجسدية أو العاطفية للطفل كالتمييز بسبب لون الجلد أو الانتماء الأسري.
4- أخرى:
تتعلق بالطريق الى المدرسة لسبب ما.
أو تتعلق بالمجتمع والحالة العامة: انتشار الشائعات السلبية عبر الإعلام كحالة الخوف من انتشار مرض كإنفلونزا الخنازير مثلاً. الأوضاع السياسية والحروب والثورات والكوارث البيئية.
وإليكم شرحا لبعض الأسباب الهامة:
1- قلق الانفصال Separation Anxiety: عند أول ذهاب للطفل إلى المدرسة بسبب تعلقه بوالديه وبالمنزل. و يكون رفضه كتعبير عن عدم رغبته بالانفصال عنهما، ويعبر عنها الطفل بالخوف من أن يصاب بالأذى هو أو أحد أبويه وهو بعيد عنهما، أو أن يترك في المدرسة ولا يجد أحداً ليأخذه، ويكرر السؤال بعبارة (ماذا لو...). ويعد هذا السبب من أكثر الأسباب شيوعاً لرفض المدرسة وخاصة عند الأطفال في سن دخول المدرسة ويكون شائع حتى سن 9 سنوات.
2- الخوف الاجتماعي Social Phobia : وخاصة عند المراهقين، مما يسبب للمراهق الرهبة عند الاختلاط بالزملاء أو عند طلب المشاركة من قبل المدرس. كما يسبب عدم القدرة على اكتساب أصدقاء مقربين يجذبون الطفل للمدرسة.
3- اضطرابات عدم التكيف Adjustment Disorders : عند العودة الى المدرسة من العطلة أو بعد مرض طويل عند الأطفال الكبار, أو عند تغيير المدرسة الى أخرى للأسباب السابقة. وخاصة في العائلات المتنقلة بسبب ظروف عمل الأب أو ظروف عائلية، بسبب الخوف من تغيير المدرسين أو الرفاق.
4- الخوف من بعض المدرسين بسبب طريقة تعاملهم، أو الخوف من سخرية الزملاء من الطفل أو المراهق لسبب ما كزيادة الوزن.
كيف تتظاهر أعراض الخوف من المدرسة أو رفضها عند الطفل؟
تختلف حسب عمر الطفل: فالأطفال تحت سن العشر سنوات لم يصل لدرجة من النضج ليعبر عن مخاوفه وقلقه كلامياً وبشكل مباشر، وبالتالي يلجأ للتعبير السلوكي الرمزي أو الجسدي. ومن ناحية أخرى تختلف الأعراض من طفلٍ لآخر من حيث الشكل وشدة الحالة, ونصنف الأعراض المشاهدة إلى قسمين:
أعراض التعبير السلوكي: البكاء والصراخ عند الأطفال الصغار والتعلق بالأهل عند الدخول للمدرسة ، ونوب من الخوف والذعر وضيق الصدر عند الأطفال الكبار والمراهقين، قضم الأظافر، مص الإصبع.
أعراض التعبير الجسدي: ألم البطن وألم المعدة، الصداع، الغثيان، الشعور بالتعب، تسرع نبضات القلب، تعدد مرات التبول.
أعراض نفسية: كآبة، قلق، نوب فزع ليلية، وسواس وأسئلة متكررة حول المدرسة.
وأكثر ما تظهر الأعراض عند ذكر المدرسة ومناقشة الطفل في ذلك أو لحظة القرب من المدرسة والشروع في دخولها، أو عند الخلود للنوم مساءاً.
ويتبع: عندما يرفض الطفل المدرسة ... ماذا نفعل؟!2
واقرأ أيضاً:
الخوف من الذهاب للمدرسة / الطفل أثناء مرحلة المدرسة (فترة الكمون)