ما بين التسهيلات الإسرائيلية التي تقوم بتقديمها للسكان العرب، وسواء كانوا من أصحاب الهوية الزرقاء- سكان القدس الشرقية- بغية امتصاص غضبهم أو للتخفيف من حدته على الأقل، باعتبارهم أصبحوا أكثر عنفاً- أو باتجاه سكان الضفة الغربية، من خلال إعداد سلسلة تيسيرات اقتصادية واجتماعية - مع الأخذ في الاعتبار مسألة تعميق التمييز بينهما-، وما بين إجراءاتها التعسفية وسياساتها القمعيّة ضدهم، تسعى إسرائيل إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، من خلال استئنافها مدّ خطوات أوسع باتجاه تغيير القوانين الخاصة بالمسجد الأقصى- والتي تسمح لليهود بزيارته وَليس للصلاة بداخله- رغبة في فرض تقسيمات زمانية ومكانية للمسجد، باعتبارها التتويج الأخير، لبسط سيطرتها الدينيّة عليه، والمدينة المقدسة بشكلٍ عام.
وبرغم اختيارها لخطوات بطيئة وبسيطة والمتمثلة في محاولاتها لإثبات أحقيّة اليهود الدينية في المكان، إلاّ أنها تعلم بأن خطواتها لن يكون مرورها سهلاً، باعتبار أن من الصعب تغطيتها عن أعين وطنية وقوميّة، ومشاعر وغرائز دينية وروحانية، لدى مئات الملايين من العرب والمسلمين، لكن عزاؤها الجيّد، هو أن لديها مشاعر دينية وقوميّة أيضاً، ويعزز ذلك العزاء، هو أن هناك من العرب والمسلمين (رسمياً) يتفهّمون تلك المشاعر، على الرغم من وقوفهم (مُراءاةً) بالرفض والتنديد، لتلك الخطوات، واستعدادهم للتصدّي والمواجهة.
حتى في ضوء استمرار الاحتجاجات والاشتباكات، فهناك احتمالات متصاعدة، توحي بأن في استطاعة إسرائيل، وخلال مدّة وجيزة، تنفيذ نواياها باتجاه القدس والمسجد الأقصى، وذلك اعتماداً على سيطرتها على المكان، وبما هي عليه من القوة، التي تملكها أجهزتها وأذرعها العسكرية، لكن ما يمنعها هو أن ليس هذا هو الزمن المناسب من ناحية، وعدم رغبتها في تقويض علاقاتها التكاملية المنسوجة مع أصدقائها من العرب والمسلمين، وعدم الرغبة في إحراجهم أمام شعوبهم أيضاً من ناحيةٍ أخرى.
قد تنجح الهبّة الجماهيرية العربية والإسلامية في إخشاع إسرائيل، وربما ستنجح التنديدات والتهديدات العربية والإسلامية (الرسميّة) في سكونها، وربما ستلقى قبولاً، شحنة المطالبات الدوليّة وبخاصة الأمريكية، بضبط إسرائيل لنفسها، في تهدئتها، لكن ذلك كلّه لا يعني إن إسرائيل ستعترف بأنها خسرت شيئاً، أو أنها على استعداد للرجوع إلى الوراء بقدر ما أقدمت عليه على الأقل، بل إنها سوف لن تجد حرجاً في الكشف عن أنها جنت أرباحاً وافرة، وأكثر من أي وقتٍ مضى، وفي ضوء أنها لم تقم بالتراجع عن أيّة خطوات سابقة.
بل وستعتبر أن خشوعها، جرى بمحض إرادتها، وفي ظل ضمانها، بأن الاحتجاجات الشعبية سوف تكون منحسرة، بفضل إجراءات داخلية خارقة، كما أن الصعود العربي بتهديداته الرسمية والوصول إلى قمّتها، والمتمثلة بتخفيض العلاقات أو سحب السفراء، فإن لديها الضمانات الكافية، بعودة تلك العلاقات إلى مجاريها، وعودة السفراء إلى أماكنهم، وبلا أثمان حقيقيّة، وكانت جابهت الانتقادات الدولية، بأنها متجاهلة تماماً للعنف الفلسطيني المشتعل ضد الإسرائيليين، كما لا تتحدث عن العلاقة التي تربط (جبل الهيكل) بالشعب اليهودي.
برغم ما تقدم، وبناءً على خطة ترويجية لأجل حيازة مكاسب إضافية، اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" بنفسه لأن يقوم بنثر تطمينات ذكيّة، من أجل تهدئة النفوس العربية والإسلاميّة المضطربة، يزعم خلالها أن إسرائيل ستحافظ على الوضع القائم (ستاتيكو) الخاص بالمسجد الأقصى، لكن كما يبدو، فإن تطميناته لا تحمل أيّة بشاير حقيقية، وفي ضوء إيعازه لقوات الجيش، بضرورة أن تقوم بتعزيز تواجدها في الأقصى والمدينة بشكلٍ عام، وإن كانت بحجة فرض الهدوء والنظام العام.
وكان "نتانياهو" قد ألمح في وقت سابق، إلى أن الوضع في الأقصى، لا بد أن يتغير إلى صالح اليهود، حيث أقر بأن الوضع الحالي – الذي يُقابل فيه الزوار اليهود بصيحات استهجان من قبل نشطاء مسلمين – المرابطون-، هو أمر لا يمكن قبوله، وهو ما يعني بأن التقسيم الزماني والمكاني للأقصى بات أمراً لا بد منه ولا مناص عنه، وحتى بواسطة حرب دينيّة شاملة.
واقرأ أيضا:
حيرة أوباما بين إيران والسعودية وإسرائيل!/ نِزال رياضي ونتيجة سياسية!/ حركة الصابرين.. تشكيل اضطراري!/ جولة في غانيه تال-3-!