بدأ يشعر في الشهور الأخيرة أن ثمة أشخاص يراقبونه ويتتبعونه، وأنهم يشيرون لبعضهم البعض حين يمر في الشارع، وأن السيارات تصدر إشارات ضوئية معينة حين يخرج من البيت، وأن إشارات المرور تتغير بناءا على تعليمات غامضة حين يمر بها، وأن زملاءه في العمل ينقلون كل أخباره إلى المدير وأنه على وشك أن يفصل من العمل بسبب دسائسهم. هو لم يكن متأكدا مائة بالمائة من هذه الأشياء التي أصبحت تزعجه وتؤرقه ولكن تكرارها لا يمكن تجاهله، ولذلك أصبح شديد الحرص في تحركاته، وشديد الحذر في كلامه وتعاملاته مع الناس فقد اكتشف أنهم ليسوا بالبراءة التي كان يعتقدها، وأن أفعالهم تصدر عن نوايا سيئة، وأنهم يضمرون له أشياء سيئة وينتظرون الوقت المناسب لكي ينفذوها.
كل ما سبق يهون، ولكن الطامة الكبرى هي أنه اكتشف أن والده ووالدته وأخيه جزء من المؤامرة المحيطة به، وأنهم على اتصال بالآخرين الذين يراقبونه ويتتبعونه ويريدون الفتك به في أي لحظة. بدأ يراقب أفراد أسرته فشعر أن أمه حين تدخل لتنظف غرفته تقضي وقتا أطول من المتوقع وأنها ربما تقوم بتفتيش ملابسه وأدراج مكتبه، وربما تقوم بزرع جهاز للتنصت عليه، وأن أخاه يدخل الغرفة بعدها ليتابع ما حدث، وأن كل هذا يحدث بتوجيه من أبيه الذي لا يشعر بالارتياح في التعامل معه، وأنه ربما يكون مدفوعا من جهات سيادية تعاقبه على مشاركته في الثورة.
وفي يوم من الأيام كان في حالة توتر شديد بعد سهرة قضاها مع أصحابه وزاد إحساسه بالتهديد من أسرته وساوره شعور غامض أنهم يعدون لقتله بالاتفاق مع آخرين، فتوجه إلى المطبخ وأحضر سكينا كبيرة ووضعها تحت وسادته استعدادا لقتلهم جميعا حين ينامون، ولكن والدته رأته ممسكا بالسكين وهو في حالة مضطربة تعودت عليها في الشهور الأخيرة وفوجئت به يرفع السكين عليها فصرخت وجرت منه فتعثر هو في السجادة ووقع على الأرض واستيقظ الأب على هذا المشهد فقام بالسيطرة عليه بعد إبعاد السكين عنه.
هذه قصة لأحد حالات جنون الحشيش وتكملتها أن هذا الشاب ذو الثلاثين عاما لم يجد عملا منذ تخرجه رغم بحثه الدؤب عن العمل، وكان من النشطاء في ثورة يناير وأصابه إحباط شديد مما آلت إليه الأمور بعد الثورة، وحاول السفر إلى دولة عربية أو أوروبية فرأى الطريق مسدودا، ولديه مشكلات مع والديه إذ يشعر أنهما يفضلان أخاه عليه في كل شيء، وأصبح يشعر باغتراب شديد وغضب نحو المجتمع ولهذا اعتزل أغلب الناس، وكان المهرب الوحيد لديه أن يجلس مع أصدقائه على مقهى في منطقة نائية وعرف معهم تدخين الحشيش، وأعجبه ذلك جدا حيث شعر معه بالاسترخاء والانبساط وجعله لا يفكر كثيرا في مشاكله ولا ينشغل بمستقبله ولا يتأثر بأي شيء حوله. باختصار وجد في الحشيش ضالته على الرغم مما حدث له في أول مرة تعاطاه حين شعر بدوخة ودوار وميل للقيئ وحالة من الخوف استمرت معه لنصف ساعة، ولكن هذه الأشياء لم تعد تعاوده.
ولما كان قد تربى على الترهيب من تعاطي المخدرات فقد أصابه القلق في البداية من أن يصبح مدمنا وهو الذي عاش حياته متفوقا وملتزما دينيا، ولكن أصدقاءه طمأنوه بأن الحشيش ليس من المخدرات بل هو من الأعشاب وأنه لا يسبب إدمانا بدليل أنهم يتعاطونه في أي وقت ويتوقفون عنه متى شاءوا، وقد كان لديه ميل لتصديقهم، إذ لم يعد يتصور أن تستمر حياته بلا حشيش، إذ معه يشعر أن الدنيا ذات مذاق مختلف، وأنه لا يستطيع أن يتكلم مع أصدقائه وصديقاته بيسر وطلاقة إلا إذا كان "ضارب سيجارة حشيش"، وأن الحشيش يجعله يتحمل الظروف المحيطة به دون أن يتألم.
كان هذا نموذجا لحالة ذهان (جنون) الحشيش، وهي حالة منتشرة الآن لدى متعاطي الحشيش، ولم تكن موجودة بهذه الكثرة في الحشاشين القدامى، وربما يرجع ذلك لظهور أنواع جديدة من الحشيش تم تهجينها جينيا وأصبحت أكثر تأثيرا في المخ وأكثر قدرة على تغيير كيمياء المخ وبالذات مادة الدوبامين والتي تسبب عند زيادتها أعراضا تشبه أعراض الفصام أو أعراض الهوس.
وقد وجد أن 15% من متعاطي الحشيش يصيبهم هذا النوع من جنون الحشيش والذي يتلخص في وجود ضلالات (معتقدات وهمية خاطئة لا يمكن تصحيحها بالبرهان والدليل ولا تتماشى مع بيئة المريض وثقافته) وهلاوس سمعية أو بصرية ينبني عليها اضطرابات في السلوك مثل حالات الغضب والهياج العصبي دون مبرر وحالات العنف الذي ربما وصل إلى القتل، إضافة إلى اضطراب إدراك الوقت والمسافات والألوان مما قد يتسبب عنه حوادث فاجعة خاصة حين يقود الشخص سيارة أو يعمل على أجهزة أو معدات ثقيلة.
وبناءا على ذلك نقلت السلطات الطبية والقانونية في إنجلترا الحشيش من الفئة ج إلى الفئة ب استنادا إلى الدراسات التي أثبتت تغيرا ملحوظا في درجة خطورة الحشيش في السنوات العشر الأخيرة. وبالمناسبة فإن تأثيرات الحشيش هي نفسها تأثيرات الماريجوانا والبانجو فهما ينتميان لنفس الفصيلة (القنبيات).
وعلى الرغم من ذلك نرى استهانة شديدة بتعاطي الحشيش من العامة والخاصة ونرى صعوبة في إقناع الناس بأضراره رغم أن أعدادا كبيرة من نزلاء المستشفيات النفسية هم حالات من ذهان (جنون) الحشيش أو الاضطرابات المزاجية والسلوكية التي يسببها تعاطي الحشيش.
ومتعاطي الحشيش لا يدرك أن ما يدور برأسه أوهام قد سببها له الحشيش بل يتعامل مع الضلالات والهلاوس على أنها حقائق مؤكدة ولهذا يتصرف بناءا على أنها حقيقة ولهذا قد يؤذي نفسه أو غيره وقد يصل الإيذاء إلى حد قتل أقرب وأحب الناس إليه دون أن يدري.
واقرأ أيضاً:
قوة التسامح / سحر الترامادول وغدره