(1)
يرن التلفون وترى "سهى" اسم صديقة عمرها على الهاتف. تسألها عن أخبارها لتقفز فرحا وتصرخ: "أخيييرا... مبروووووك".
"فاطمة" تبلغها بقبولها العريس الأخير وحددوا موعدا للخطوبة بعد شهر.
(2)
تفترق الصديقتان عند باب منزل "فاطمة" بعد تبادل القبلات والكثير من الخطط لليوم التالي. قضت الاثنتان يوما طويلا ما بين محلات الملابس والأدوات المنزلية والأحذية، مرورا بالخياط وانتهاء بالكوافير للاتفاق على جلسة المكياج للحفل.
- اطلعي نامي على طول، مش عايزين هالات سودا في صور الحفلة والنبي.
- حاضر. بالمناسبة، أنت مش عاجباني من فترة، مش هتحكيلي مالك؟
- ماليش. كله تمام. وبعدين أنت خليك في البلاوي اللي وراك. هافوت عليك بكره عشان بروفه الفستان.
- تمام. تصبحي على خير.
تتركها "سهى" وتتجه لمنزلها غير شاعرة بزحام الشارع. يكفيها زحام الأفكار في رأسها. هل ستحضر الفرح؟ هل ستستمر في مساعدة صديقتها في مشاوير التحضير للفرح؟ هل تخبر "فاطمة" بالحقيقة؟
تنهمر دموعها غير شاعرة بها ولا بأصوات أبواق السيارات الغاضبة لقطعها الشارع وهي سارحة.
(3)
تفر الصديقتان صور حفل الخطوبة بسعادة.. تتذكران اللحظات بابتسامة.. وطبعا تنتهزان الفرصة للتعليق على فستان هذه وحذاء تلك.. لم تستطيعا ذلك أثناء الحفل بالطبع.
- "سهى".. انت ازاي خسيت كده؟ أنا أول مرة أخد بالي دلوقت من الصور. برافو عليك
وأول مرة تحطي مكياج تقيل كده. بس تصدقي لايق عليك.
(4)
أغمضت "سهى" عينيها تعبا بعد أن انتهت جلسة "الكيماوي" الثالثة لهذا الشهر. يحاول الأطباء جاهدين منع السرطان من الانتشار حتى لا يضطرون لاستئصال جزء كبير من القولون.
أخرجت المرآة المرصعة التي أهدتها لها "فاطمة" في حفل التخرج.. نظرت لوجهها الخالي من اللون والرموش والحواجب. بحزن وفكرت: سامحيني يا "فاطمة"، مش هاعرف أحضر يوم عمرك.. كان نفسي أمسك لك طرف الفستان وأرقص من أول الفرح لآخره. بس يكفيني أنك هتبتدي حياة جميلة وجديدة، حتى لو مش هاكون معاك فيها.
(5)
"مبروك يا بطلة".... قالها الطبيب لـ "سهى" تهنئة بصورة الأشعة والتحاليل والتي تخبر بالقضاء على السرطان. ابتسمت بارتياح لتخلصها أخيرا من هذه الجلسات المؤلمة والمرهقة.
وفكرت في لحظتها: خبر حلو.. يكمل فرحتي بفرح "فاطمة" الليلة .. الحمدلله
(6)
احنا مش هنلاقي أحسن منك لـ"سهى" يا دكتور "سامي". ربنا يتمم بخير.
تزغرد الأم ويبتسم الدكتور "سامي" ناظرا إلى سهى الناظرة إلى الأرض خجلا. كان يراها جميلة بعد أن تورد خداها مرة أخرى بعد أن استعادت صحتها، ونما شعرها ورموشها الطويلة.
تطبع الأم قبلة على جبين "سهى" وتقول: مبروك يا بنتي. الحمدلله اللي كتب لك عمرا جديد. ربنا يسعدكم.
(7)
بمجرد أن خرج "سامي" من الباب ركضت "سهى" إلى تلفونها المحمول لتتصل بـ "بفاطمة". لابد أن تكون أول من تعلم.
-"الهاتف الذي طلبته مغلق أو خارج منطقة الخدمة"
زفرت بنفاذ صبر وقالت: "كالعادة نسيت الشاحن" .. وابتسمت وأكملت: "مش مهم، خليها تنبسط في شهر عسلها. لما تيجي بالسلامة أقولها".
(8)
الكل متشح بالسواد، المقرئ يصدح بآيات من سورة الفجر وفناجين القهوة السادة تمر على المعزين. "سهى" تحضن "أم فاطمة" وتنهار في البكاء.
- إزاي مش هتحضر فرحي؟؟ إزاي مش هتمسكلي الفستان؟؟ إزاي أعمل فرحي من غيرها؟؟
ماتت "فاطمة في حادث سيارة أثناء عودتها هي وزوجها من شهر العسل.. ماتت وهي في طريقها لبدء حياة جديدة. ماتت لتكمل "سهى" حياتها الجديدة بدون توأم روحها.
واقرأ أيضاً:
يا رجلا / حبٌّ مفقود / لي ولك / مطر / سر / أنا وأنت / الليالي / أمس واليوم / باناديلك / برتيتة