يُحكى وعلى لسان غاندي, أن الشعب الهندي كلما ثار على مستعمره, قام المستعمر بذبح بقرة ورميها في حارات الهندوس, فيُتّهَمُ المسلمون الهنود بالذبح, ويتقاتل الهندوس والمسلمون, وينشغلون ببعضهم, فيستريح المستعمر ويفعل ما يشاء, ويستعبد مَن يشاء, والهنود يتقاتلون بسبب البقرة المذبوحة.
وكانت نسبة ذبح البقر تتناسب طرديا مع تنامي الثورة والاحتجاجات ضد الإنكليز.
وما يحصل في الواقع العربي هو ذاته الذي كان يحصل بين الهنود, الذين انتصروا على هذه اللعبة بقادة ومفكرين قدّموا القدوة الفاضلة الحسنة, التي هزمت عدوهم المشترك وجعلت الناس يعتصمون بالوطن والحرية والديمقراطية, رغم ما شابها من المواجع والتفاعلات القاسية.
وفي مجتمعاتنا العربية الإسلامية تعددت الأبقار وتنوعت, وصارت ذات مسميات وتوصيفات ومستويات وسلطات, وجميعها تُذبح وتلقى ما بين الحارات لكي يتقاتل أهلها فيتمرغون بدماء بعضهم, والطامع فيهم يلعب بمصيرهم ويعبث بوجودهم, ويصادر ثرواتهم وحقوقهم ويحوّلهم إلى أرقام.
وأبقارنا صارت قطعانا تتناطح وتتناكح, فتتوالد بسرعة أميبية خلاّقة, وتتحقق في أرحامها إنشطارات نووية وهايدروجينية, فتطلق صواريخ غيّها وحقدها وكراهيتها ذات القدرات التدميرية الماحقة.
فأبقارنا ما عادت تعطي حليبا وتطعم جياعا, وإنما أصيبت بطفرات وراثية عجيبة جعلتها ذات قرون طويلة, تحملها بعنفوان وهياج لتناطح بها كل القرون, وبعضها أصيب بجنون البقر, الذي أجّنَ البشر. وتلك محنة أبقارنا التي ما عادت قادرة على حمل قرونها لثقلها وفداحة ما تختزنه فيها الشرور والسيئات.
أبقارنا ذات ألوان وأوشام, ويتم تلقيحها اصطناعيا لتلد عجولا وثيرانا ومخلوقات مشوهة, ذات عاهات متنوعة لا تصلح للحياة, وإنما تكون على أهبة الموت لأن ما فيه يُرديها, وأنها تتطلع لمصادرة الدنيا وقتل الأحياء, لأن عاهاتها تجبرها على الموت المُحلى بالأمنيات السرابية, التي تحررها من قيد العاهات الفعالة المتأسدة فيها.
وأبقارنا القتالة تدربت على ذبح نفسها وغيرها, بل أنها حُقِنت بأنواع العقاقير والأدوية المصادرة للبصائر والمسببة للهذيان والذهان, وتحقيق مهرجانات المألسة, وتنفيذ مسرحيات الأوحشة, وهي متباهية متفاخرة ومصدحة بمفردات جنونها وتصوراتها البهتانية الفائقة.
والعجيب أن المخلوقات تأنف من لحومها, وتمقت حليبها, وتخشى وجودها, وتشيح الطرف عن منظرها, فهي ابقار لا تسرّ الناظرين, بل ترعبهم وتهددهم, ولا يعرفون إلا توجيه أعتى الأسلحة المتوفرة في خزائنهم نحوها.
أبقارنا تحولت إلى موجودات عدوانية على الدنيا والعروبة والتأريخ والدين!! فأية أبقار هذه؟! إنها تحلب وجود أمة وتصيبها بالنحول والجفاف وتستحضر إليها العقود العجاف!! وهكذا فأبقار غيرنا تطعم أهلها وتساندهم اقتصاديا, وأبقارنا تأكلنا وتقتلنا وتمسح معالم وجودنا, وتلغي علاماتنا العربية الحضارية الفارقة.
فلتعش أبقارنا, ما دمنا نستلطف ويلاتها, ونتخذها وسائل لإحكام القبضة العنيفة على أعناقنا, ومصادرة حاضرنا ومستقبلنا, وإننا لمنتصرون أيتها الأبقار السعيدة الضاحكة المترعرعة في مراعي الطامعين!!
واقرأ أيضا:
فكّروا بطريقة اقتصادية!!/ السكتة الحضارية!!/ عقلية الأسوار والجسور!!