إحدى المسائل المهمّة التي حازت على اهتماماتنا كفلسطينيين هذه الايام، هي الخطوة التصعيدية التي بادر باتخاذها الاتحاد الأوروبي، والمتجهة ضد سياسة إسرائيل التوسعيّة، والتي انتهت - بعد مخاضٍ عسير-، إلى وضع تقسيمات بين إسرائيل كـ (دولة)، وبين الأراضي الفلسطينية، والواقعة ضمن حدود عام 1967، في أيه اتفاقيات مُقبلة، وكان بدأ الاتحاد خلال الشهر الماضي بالمصادقة على تنفيذ خطة وسم المنتوجات الناشئة داخل المستوطنات، باعتبارها خطوة هامّة، جاءت في أعقاب تبلور تقديراته، بأن من شأنها الحيلولة دون هدم حل الدولتين، المقترح أمريكياً والمُرحّب به من قِبله منذ أزلٍ طويل.
كانت الخطوة واضحةً للعيان، بأنها جاءت كنتيجة مباشرة للإصرارات الإسرائيلية بشأن الاستمرار بنشاطاتها التوسعيّة الاستيطانية، وبدون إعطاء أيّة آمال بوقفها، وبناءً على المخاوف المترتبة عليها، وخاصة التي تمس مصالح الاتحاد السياسية والاقتصادية، وقد سبق أن أوشك على اتخاذ قرارات ضد إسرائيل، في أعقاب انطفاء الوميض الخافت بالنسبة إلى العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد إعلان فشل مفاوضات الأشهر التسعة، التي قررتها واشنطن للتوصل إلى حلول نهائية، والتي انتهت بنهاية أبريل/نيسان 2014، باعتبارها سبب إفشالها.
وإن كان للأسباب السابقة، مقداراً من الصحّة، لكنها لم تكن هي الحافزة، التي جعلت الاتحاد يقوم بتنفيذ تصعيداته – ضمن المسموحات الأمريكية- باتجاه إسرائيل، وفي ضوء عِلمه، بأنها تخشى على مصيرها أولاً وقبل كل شيء، وهي على استعداد لفعل المعجزات لاستمرارها متواجدة ومتنامية، وإن كانت تلك المعجزات، لا تتفق مع مواقفه أو المواقف الدوليّة المُعلنة بشكلٍ عام، ولعلمهِ أيضاً، بأنها مشروع استيطاني في الأساس، خاصة وهو يشعر خلال كل دقيقة، بأنها تعمل جهدها في تعظيم الاستيطان وتطويره، وتُشجّع عليه بتصميمٍ شديد.
صحيح بأن توقف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كان من الدواعي الرئيسة للانزعاج الأوروبي، باعتباره حاثّاً لإسرائيل بضرورة عدم الابتعاد عن طاولة السلام، وإشعاراً للعرب والفلسطينيين بخاصة، بأن لدى الاتحاد مصداقيّة سياسية واضحة، وخاصةً باتجاه أولئك الذين لا يزالون يتحدثون عن العملية السياسية، وعن التطبيع مع إسرائيل، باعتباره ينحاز بكل دولهِ إلى جانبهم، ولو كانت هناك مفاوضات، لكانت انتفت دواعيه الانزعاجية تماماً، وذلك بالنظر إلى قيامه بتعليق إنذارات باتجاه إسرائيل كان لوّح بها، وذلك عندما اصطفّت أمام الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات في أغسطس/آب 2013.
الأمر الأكبر والذي زاد الاتحاد انزعاجاً وإقداماً على تصعيداته، هو شعوره بأذرع إسرائيل المختلفة، تلتف حول عنقه، وهي تلك العاملة باتجاه جلب الجماعات اليهودية من أنحائه، وبطريقة يراها مستفزة ومؤذية في آنٍ معاً، باعتبارها تهدد بُنية وهيكلة دولهِ الاجتماعية والاقتصادية، وربما تصِل إلى تهديد مصيرها أيضاً، وفي ظل رؤيته لعشرات الآلاف من اليهود الذين هاجروا طواعيةً، واستقرّوا داخل المستوطنات المُقامة في أنحاء الأراضي الفلسطينية، في مُقابل استقباله لطوفانات متتالية من المهاجرين العرب والأفارقة.
في إسرائيل واليسار بذاته، وبرغم تظاهرهم بالغضاضة من خطوة الاتحاد التصعيدية وما سبقها من خطوات، إلاّ أنهم لا يؤمنون بها، وسواء باعتبارها ناتجة عن سياسة خاطئة، أو على أنها رمزيّة وذات دلالة واهية، وهم يُجمعون، وفي حال كانت جدّية، على أن مضارها ستشمله في المقام الأول، على أن إسرائيل ليست جنوب أفريقيا، وليست مجرّد دولة، بل هي امبراطورية نادرة وقادرة داخل المنطقة الشرق أوسطية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" قد أشار إلى دول الاتحاد، بأن عليها التحالف مع إسرائيل، كما تفعل الدول الخليجيّة، بدلاً من إحداث سياسات غير عقلانية، وإجراءات لا قيمة لها، وهذا يعني أن إسرائيل لا تقمعها أيّة تصعيدات، ولا تردعها أيّة إجراءات، عن مُضيّها في مسارها الاستيطاني على نحوٍ خاص.
سيما وأن هذا المسار لديها ليس نظرياً، فهو موجود عندها منذ الأزل وما قبل وجود الدولة، وسيستمر - تبعاً لاعتقاداتها- في المستقبل أيضاً، باعتباره حاجة إسرائيليّة بحتة، ومطلباً يهودياً محضاً، بل وترى أن التصعيد الأوروبي باتجاه عرقلة نشاطاتها الاستيطانيّة، قد خلق لديها ظاهرة مُشوِّقة للغاية، وكأنما يدعوها إلى إنشاء تصعيدات مُقابلة تكون أكثر شِدّة، وأعمق تصميماً، وسواء كانت بالنسبة لمسألة الاستيطان، أو باتجاه جلب اليهود والمستوطنين.
واقرأ أيضا:
مصر: الترويج لتوسيع دائرة السلام مع إسرائيل!/ كبير المفاوضين، استقالة محتومة أم إعادة تشكيل؟/ تفجيرات باريس وتوظيفها في خدمة السياسة الإسرائيلية!