قضية المرأة / قضية الإنسان3
المتنبئون الجدد وقضية المرأة:
ودونية المرأة تتجسد أكثر في فكر وممارسة المتنبئين الجدد الذين يعتمدون على أدلجة الدين الإسلامي، ويعتبرون كل ما يتعلق بالمرأة في قوانين الأحوال الشخصية مقدسا، ويرفضون مراعاة التطور الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي، والمدني والسياسي في إعادة صياغة تلك القوانين على أساس أن ما يحصل من تطور هو من صنع (المشركين، الكافرين، والزنادقة، والملحدين والعلمانيين والغربيين) إلى غير ذلك من الأوصاف القدحية الدنيئة، والمنحطة التي تملأ كتبهم، وجرائدهم من أجل الوصول إلى جعل المجتمع يقاوم التغيرات المضللة في قوانين الأحوال الشخصية كما حصل في مصر، وفي المغرب؛
والمقاومة المطلوبة لا تتم إلا بتحريض الرجل والمرأة معا ضد الجمعيات والهيئات المطالبة بإدخال تعديلات على قوانين الأحوال الشخصية والحفاظ على دونية المرأة في المجتمع باعتبارها مقررة في الدين الإسلامي. ولا يجب تجاوزها، لأن التجاوز معناه الخروج عن الإسلام، والكفر، والزندقة، والتغريب، وأشياء أخرى نستحي أن نذكرها في هذه المعالجة وهؤلاء المتنبئون الجدد يكرسون دونية المرأة من خلال:
1) اعتبار المرأة عورة ولذلك فخروجها مسافرة يمكن أن يقود إلى الفتنة وعملها يعتبر سببا في حدوث العطالة في صفوف الرجال.
2) فماذا يقصد هؤلاء المتنبئون الجدد بمفهوم العورة؟ إنهم يقتحمون كل جسد المرأة في هذا المفهوم، من هامتها إلى أخمص قدميها، وبالتالي فإن عليها أن تستر عورتها، أي أن تحجب نفسها عن الناس، وبما أن العصر الذي نعيشه يفرض خروج المرأة فإنهم يحرفون معنى الحجاب ليصبح مجرد شكل من اللباس الذي يسمونه (إسلاميا) والحجاب الذي عرف في تاريخ المسلمين يختصر في حرمان المرأة من الخروج، وهو ما لم يرد فيه نص؛
لأن المرأة بعد ظهور الإسلام لم تكن محرومة من الخروج، بل كانت تشارك الرجل في شؤون الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية وكل ما ورد هو توجيه تربوي يفرض احترام الرجل للمرأة، واحترام المرأة للرجل كما ورد في الآية الكريمة: (قل للمؤمنين يغضو من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) وهذا التوجيه التربوي يستهدف الجانب الأخلاقي الذي لا يكون إلا نسبيا، أي أن اللباس الذي يسمونه (حجابا) يختلف في شكله باختلاف الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعيشها المجتمع الذي يحدد تبعا لتلك الشروط ما يقبله، وما يرفضه من أشكال اللباس، ومستوى التعليم في صفوف الرجال والنساء معا يقود إلى مستوى من التفكير لا يحضر فيه الجسد بقدر ما تحضر أمور أخرى فيصبح الجسد ثانويا.
واستحضار الجسد في التفكير والممارسة يعبر عن أمرين أساسيين:
1) الأمر الأول: إلغاء إنسانية المرأة أبديا، فالمرأة الحاضرة في أذهان المتنبئين الجدد لا تتجاوز مجرد كونها مجالا لممارسة الجنس وما سوى ذلك لا قيمة له. وهو ما ينتج احتقار المرأة الذي لا حدود له.
ولذلك فاعتبار المرأة عورة هو ممارسة إيديولوجية تستهدف فرض وصاية المتنبئين الجدد على الدين الإسلامي الذي يختصرون رؤيته للمرأة في الجانب الجنسي فقط. مع أن الإسلام ليس كذلك فالمرأة كالرجل إنسان، لا تحرم من مخالطة الناس جميعا بحكم الضرورة التي تفرض الاحترام المتبادل بين جميع الناس في إطار ممارسة أخلاقية / اجتماعية متعارف عليها، يعتبر شكل اللباس في إطارها مظهرا اجتماعيا متعارفا عليه، وليس التزاما دينيا كما يدعي ذلك المتنبئون الجدد وهو ما ينفي كون المرأة عورة إلا في حدود ما يتفق عليه أفراد المجتمع سواء تعلق الأمر بالمرأة أو بالرجل، الذي يمكن أن يوصف أيضا بأنه عورة حسب منطق المتنبئبن الجدد.
2) اعتبار عمل المرأة سببا في انتشار البطالة، وهو اعتبار يحمل في مضمونه الكثير من التجني على المرأة من جهة والكثير من التضليل الذي يصيب عقول الناس ووعيهم باسم الإسلام من جهة أخرى.
وهو - في نفس الوقت – أكبر خدمة يقدمها المتنئون الجدد للنظام الرأسمالي العالمي، والأنظمة المتخلفة التي تسبح في فلكه، وينتمي إليها المتنبئون الجدد بالإضافة إلى كون هذا الاعتبار مخالفا لما جاء في الإسلام نفسه الذي أقر عمل المرأة ومشاركتها للرجل في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ومخالفا للمواثيق الدولية التي تعتبر العمل حقا من حقوق الإنسان، تلك المواثيق التي يدعي المتنبئون الجدد أنها مخالفة للإسلام، ومناهضة له. وهو ادعاء يتنافى مع ما تقره تلك المواثيق بما يحقق كرامة المرأة والرجل على السواء.
والواقع أن انتشار البطالة لا يرتبط بعمل المرأة بقدر ما يرتبط بالاختبارات الرأسمالية التابعة وبعولمة اقتصاد السوق. وبكل الأمراض الاقتصادية التي تصاحب ذلك. فالاختيارات القائمة في معظم البلدان التي ينتمي إليها المتنبئون الجدد لا ديمقراطية ولا شعبية، وهي اختيارات تنم عن حقد دفين تجاه الكادحين بصفة عامة لإقحام المرأة بصفة خاصة التي يلبسونها أزمة عدم إيجاد مناصب الشغل للعاطلين من الرجال. فالأزمة ليست في عمل المرأة، إنها في الجري وراء تحقيق المزيد من التراكم الاقتصادي في أيدي قلة من الأشخاص المساهمين في قيام شركات عابرة للقارات، تمتص بشبكة فروعها المبثوثة عبر العالم دماء الكادحين في كل مكان سواء كانوا رجالا أو نساء، وهو ما يفند ادعاء المتنبئين الجدد ويفرض عليهم القبول بعمل المرأة كواقع لا مفر منه بعد إدخال التعديلات على التصور المتعلق به.
3) اعتبار دور المرأة في محاربة المخالفين للمتنبئين الجدد وهو اعتبار يعكس:
أ- أنه في الوقت الذي يحرص فيه المتنبؤون الجدد على بقاء المرأة في بيتها حتى لا تنكشف عورتها، وفي أحسن الأحوال، أن تستر كل جسدها يطلبون منها أن تقوم بدور رائد في تجسيد خطاب المتنبئين الجدد، وإشاعته في المجتمع وخاصة في أوساط الشرائح الشعبية الكادحة.
ب- إن المرأة مرشحة أكثر من الرجل للتأثر بخطاب المتنبئين الجدد الذين يدركون جيدا أنها أكثر تخلفا، وأكثر أمية وأكثر فقرا من الرجل. فالبؤس خطابهم، وتسعى إلى جعل الجميع يلتمس الخلاص فيه.
ج- إن سيادة التخلف والفقر والأمية في صفوف الرجال يساعد على استغلال المرأة في القيام بدورها المطلوب منها.
د- إن النظام الرأسمالي يساعد على إشاعة خطاب المتنبئين الجدد لأن حصصا بكاملها تخصص لذلك عن وعي أو غير وعي وشعب الدراسات الإسلامية في مختلف الكليات يحولها إلى مفرخة للمتنبئين الجدد.
هـ- إن النظام الرأسمالي التبعي المنتج للفقر، والممارس للقهر يوحي بأن خطاب المتنبئين الجدد، يساعد على الخروج من الأزمة من خلال رفع شعار (الإسلام هو الحل) وهو ليس إلا شعارا أيديولوجيا.
ولذلك فتوظيف المرأة في محاربة المخالفين للمتنبئين الجدد رهين بتخلف المرأة، وزيف الوعي الذي تحمله. ولذلك يجب العمل على انعتاقها وتصحيح وعيها المقلوب حتى تكون مساهمتها في نشر الوعي إيجابية.
4) استغلالها في انتخابات من أجل وصول المتنبئين الجدد إلى مراكز القرار الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي من أجل تعميق التمكن من المجتمع والسيطرة عليه عن طريق استغلال الدين الإسلامي في إقناع الناخبين عن – طريق المرأة طبعا – بضرورة التصويت على مرشحي أحزاب المتنبئين الجدد. أو على مرشحيهم (المستقلين) أو باسم أحزاب قريبة منهم، لأجل إقامة (الدولة الإسلامية) أو (الحكومة الإسلامية) أو في الحدود الدنيا للوصول إلى مراكز القرارات في المجالس المختلفة وفي البرلمان وهو ما يمكن المتنبئين الجدد من تغيير موازين القوى لصالحهم وفرض تطبيق (الشريعة الإسلامية) التي يملأون بالحديث عنها الدنيا طولا وعرضا وللوصول إلى ذلك لابد من تحقيق:
أ- تشبع المرأة بإيديولوجية المتنبئين الجدد التي يسمونها ب (الشريعة الإسلامية) حتى تقوم بدورها في إقناع الناس بقناعتها بدونيتها وممارسة تلك الدونية حتى تعمل على إقناع الرجال والنساء معا بها.
ب- استيعابها للبرنامج المرحلي الذي يضعه المتنبؤون الجدد حتى تعمل على تحقيقه على أرض الواقع بوصول المتنبئين الجدد إلى مراكز القرار.
ج- استعدادها للتضحية بروحها في سبيل تحقيق ذلك البرنامج حتى إقامة (الدولة الإسلامية).
ومعلوم أن مخطط المتنبئين الجدد في الانتخابات التي يشاركون فيها لا يعكس أبدا إيمانهم بضرورة تحقيق الديموقراطية جملة وتفصيلا، حتى ولو تعلق الأمر بالانتخابات، لأن ادعاءهم ضرورة الديموقراطية ماهو إلا تاكتيك للوصول إلى ناصية القرار لفرض استبدادهم على المجتمع ككل. ذلك الاستبداد الذي تعتمد المرأة بالدرجة الأولى للوصول إليه، لتعاني أكثر من الرجل بسببه.
5) استغلالها في التظاهرات المختلفة بسبب استلابها وانسياقها وراء خطابات المتنبئبن الجدد، فهي تعتقد أن حضورها في التظاهرات السياسية المختلفة جزء من الدين الإسلامي باعتباره (جهادا في سبيل الله).
لذلك نجد أن المتنبئين الجدد يستغلون هذا الاستلاب، ويحشرون النساء في التظاهرات السياسية المختلفة التي يقيمونها وباللباس المختلف، والمعبر عن الجنوح إلى تكوين طائفة منفصلة فكرا وممارسة عن المجتمع، ومستعدة لإقصاء الطوائف الأخرى ولو بالقتل والإبادة إذا دعت الضرورة إلى ذلك ويسمونه (جهادا) في سبيل الله غير مستحضرين لقول الله تعالى: (ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).
والمرأة عندما تستغل في إقامة التظاهرات المختلفة التي يقيمها المتنبئون الجدد في مختلف المناسبات تفقد قيمتها كامرأة، لأن عملية الحشر في التظاهرات بدون إرادتها بفقدها إنسانيتها، ويجعلها مجرد قطيع مملوك للمتنبئين الجدد، وهم في ذلك يختلفون عن النظام البورجوازي الذي يسيء للمرأة ويحولها إلى مجرد متاع معروض في السوق يسعى الراغبون إلى التمتع به.
والمتنبئون الجدد عندما يطرحون قضية المرأة فلأجل الحكم عليها بالتخلف والقهر، وحرمانها من ممارسة حرياتها وقمعها بواسطة قوانين الأحوال الشخصية التي يسمونها شريعة، ويوظفونها لتحقيق أهدافهم السياسية، والطائفية، ويوحون إليها بالعمل على الجهاد من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، وهذه الممارسة تبقى المرأة متخلفة حتى وإن كانت تحتل المناصب السياسية وتتصدر الطبقات الاجتماعية المالكة لوسائل الإنتاج. وفي استمرار تخلف المرأة يبقى المجتمع متخلفا، ومجالا لتفريخ المتنبئين الجدد الذين يوهمون الناس بالقضاء على أسباب التخلف التي يربطونها بوجود منابر التنوير في المجتمع.
يتبع.......... قضية المرأة / قضية الإنسان5
واقرأ أيضًا:
حجاب المسلمة، وجهةُ نظرٍ طبنفسية / مقاييس باربي في الميزان / استعباد النساء Subjugating Women / زينة المرأة والصحة النفسية