وردت أعداد لا بأس بها من التعليقات، بشأن مقالة سابقة، والتي حملت العنوان (دعوة إلى الهجرة من قطاع غزة) والتي سارعت إلى انتقاد المقالة، من خلال امتداح الهجرة، وذكر ميّزاتها وفي ذات الوقت تُصرّ عليها إصراراً مُشدداً، لدرجة أنه يصعب البوح بأنها كانت مُفاجئة، على أن ما أنقص من وقعها، تلك الإجابات التي لا ترضى عن تُراب القطاع بديلاً، ولو تراكمت أزمات الفلسطينيين إلى أضعافٍ مضاعفة.
وإذا قمنا بإنشاء علاقة فيما بينها وبين الأزمات التي يُعانيها القطاع بشكلٍ عام، - مع التنبيه إلى التفريق بين الهِجرة والسفر- فسنعثر على استنتاجٍ مفاده، أن الجزء الأكبر منها، تمقت البقاء لمجرد البقاء، وتُرحّب بالهجرة لمجرّد الهجرة، كما أنّها ليست على استعداد للتفكير فيما ستُخلفه وراءها، وسواء باتجاه أهلها وذويها أو باتجاه القضية الفلسطينية بوجهٍ خاص، والبقية الأقل، هي التي تريد الهجرة لهدف بلوغ حياةِ معيشة أفضل.
صحيح أن أحلام الهجرة، تزايدت وبصورة أكبر، منذ تولي حركة حماس مسؤولية الحكم في قطاع غزة منتصف عام 2007، ولكن في مقابل أن جُل الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج، وسواء كانوا بمحضِ إرادتهم أو النازحين بفعل الاحتلال الإسرائيلي، لم تكن لهم الرغبة في العودة إليه، أثناء وبعد دخول السلطة الفلسطينية للمناطق، بناءً على اتفاق أوسلو، وقد كان باستطاعتهم فعل ذلك.
الزيادة الطارئة تعني، أن كانت هناك تفكيرات سابقة بالهجرة ولأسباب مختلفة، وكانت عامّة أي لفئات وأجيال مختلفة، حتى قبل تواجد السلطة أو حماس، كما لم يكن الاحتلال الإسرائيلي السبب في وقوعها سوى في حالات قليلة، وفي حينها كانت تردّ المؤسّسات الوطنيّة المحليّة والحكومات العربيّة، بسلسلة من الإجراءات الرقابيّة، التي تُعرقل تلك التفكيرات، وذلك بمبرر طمسها أو الحدّ منها على الأقل، باعتبارها تؤدّي إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية وبخاصة قطاع غزة، وبالتالي إحداث خلل في الميزان الديمغرافي لصالح الإسرائيليين.
كان التعاون واضحاً بين المؤسسات الفلسطينية وتلك الحكومات، وخاصة الحكومتين في كلٍ من مصر والمملكة الأردنيّة، كونهما تشاركان في الحدود مُباشرة، ولها منافذ حدودية عاملة على مدار الساعة، حيث كانتا تقومان بمنع صغار السنّ وغير المتزوجين من الدخول إليهما، وفي حالات أخرى، كان يضطرّ الأشخاص، إلى دفع مبالغ نقدية تفرضها المؤسسات الفلسطينية باعتبارها تأمين عوْدة.
مسألة تفكير البعض بالهجرة، هي مسألة موجودة، وستظل كذلك مادامت الحياة، وقد تكون الإجراءات التي تقوم بها الدول للحدّ منها هي إجراءات خاطئة، أو هي ليست صائبة بالضرورة، بسبب أن الخشية من مسألة تفريغ القطاع، أو الحاجة إلى قدرات إنتاجيّة وأمور أخرى، هي خشية في غير محلّها، وأن الإمعان في مكافحتها، قد يأتي بعواقب غير مقبولة ولا مُحتملة.
وبرغم عدم اطمئناننا للأفكار التهجيريّة كمبدأ، لكن يجدر بنا بيان، أن حرية الحركة، هي إحدى حقوق الأفراد الرئيسة، حيث ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 12، على أن لكل فرد حريّة التنقل، واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة، وأن يغادر تلك الدولة، أو أن يعود إليها في أي وقت، وهذه المادة قد تم التوقيع عليها من قِبل المجتمع الدولي بما فيه الدول العربيّة.
وقد كفل القانون الأساسي الفلسطيني، حق المواطنين في التنقل والسفر، حيث تنص المادة 11 من القانون، على أن الحرية الشخصيّة حق طبيعي وهي مكفولة، ويجدر الذكر أيضاً في هذا السّياق، بأن إسرائيل وهي الأحرص في هذا المجال، ليس لديها أيّ إجراءات مقابلة لمسألة هجرة مواطنيها من أيّ من أنحائها، ولأي سبب كان.
لا يُمكن بأي حال، إلغاء تلك الطموحات لدى بعض الشباب ذوو الدماء السّاخنة، بسبب عدم وجود إنجازات وحوافز، التي يمكنها مكافحتها للقضاء عليها أو الحدّ منها على الأقل، وخاصةً في هذه الأثناء، وذلك نظراً لكثرة مبررات المتعلّقين بأهدابها، ولذلك فقد يكون اللجوء إلى السماح لكل من تسعدهم فكرة الهجرة، بأن يقوموا بتنفيذها، وعتد أول مناسبة تكون فيها المعابر مفتوحة، هي فكرة ممتازة، على أن تلك الهجرة فيما لو اكتملت أجزاء منها، فإنها حنماً لن تُغير شيئاً.
واقرأ أيضا:
الأرض مقابل استحقاقات موظّفيها، أصداء وملاحظات !/ نتانياهو: المرتبة التّاسعة غير كافية/ الأمم المتحدة، المكان الذي ننتصر فيه