كم أشعر بالألم بعد سنوات ثلاثة عشر مضت من عمر مجانين تعلمت فيها الكثير واطلعت بعين المتأمل الحزين على ما صارت إليه أحوال البلاد والعباد في الرقعة التي ما زالت –رسميا على الأقل- تتحدث العربية، ببساطة دخل الموقع الإليكتروني الذي شرفت بتأسيسه بيوتا كثيرة في كل قطر عربي واستلم شكاوى وأسئلة عكست أكثر بكثير مما ظن كاتبوها، واستطعت رصد ما لا يحصى من علامات فشلنا الاجتماعي وقصورنا التربوي والتعليمي من المحيط إلى الخليج، ورغم أن مستوى الفشل لم يكن متساويا إلا أن النجاح ظل مردوده دون المستوى الذي يحتاجه الإنسان في هذا العصر.
ما لأجل هذا كتبت لكن لأنني حينما تأثرت كثيرا بهذا الحمل التقني والعلمي والنفسي أخذت أراجع نفسي وأنا أنوء منذ عقد من الزمان على الأقل بأعباء مجانين ومصر على الاستمرار ولم أزل، بدأت أحاور نفسي من سيكون بديلا متاحا لي والأيام حائلة ولا شك بيني وبين القيام بأعباء مجانين.... هذا السؤال وهذا البحث عن من سيكون مناسبا قديم منذ سنين فأنا غير متفاجئ لكنني في الآونة الأخيرة وقد دهست خطوتان في العقد السادس من عمري وجدت الأمر ملحا بحق واكتشفت أن المطلوب تقريبا غير متوفر بين المصريين.
منذ ما يقارب السنة أو يزيد قصدت عددا من معارفي من الفيس أهمهم والأكثر تركيزا معي كانت المهندسة سارة عيسى (Sara Mohey)... ولها عدة مدونات على مجانين منها بنتي غبية في البداية وضعت إعلانا على صفحة مجانين على الفيسبوك حوالي 5535 معجب... ظل حوالي شهر ولم يتقدم أحد يصلح... حاولت عن طريق معارفها فما من متوسم فيه أو فيها الصلاحية للوظيفة إلا ويهرب بعد الاتفاق... لأنه؟ ماذا الله أعلم.
حاولت ولم أستسلم.... واتصلت بابنتي ومستشارتنا وشاعرتنا في مجانين أ. هدى الصاوي وهي بالنسبة لي واحدة من بنات مجانين.... وبعد محاولة مع صديقة مصرية لم تفلح.... بشرتني –وهي لا تدري- هدى الصاوي بأن هناك شابا سوريا رضي بالعمل... وحين رأيت سيرته الذاتية شعرت بأنه أكبر من المهمة التي كنت أتمنى لمجانين...
قدر فرحتي به قدر ما أوجعني ما حكى لي وهو لا يقصد إلا تبرير رضاه بوظيفة أقل مما هو أهل له فقال تقدمت لجهة رسمية في مصر وبعد قبول ترشيحي ونجاحي في ما قبل المقابلة: قيل لي أنت سوري! وهذا للمصريين.... بقدر ما شعرت بالحرج والألم.. بقدر ما تذكرت فضل سوريا والسوريين على مجانين.
بدأت المستشارة أ. لمى عبد الله مشاركتنا بالكفاح في مجانين كانت من أسرع المستشارين استجابة وأفضلهم تأسيسا للإجابات على مجانين.... بدأت منذ أبريل 2005 واستمرت معنا حتى نوفمبر 2007 ... وحالت ظروف الحياة بينها وبين استمرارها في المشاركة، وفي نفس الوقت بدأ ابننا د. ملهم الحراكي عطاءه الغذير على مجانين والذي بدأ معنا منذ أبريل 2007 واستمر حتى مارس 2014 معتذرا لزيادة مشاغله وعمله في المملكة العربية السعودية طبيبا نفسانيا متميزا،....
وفي 2008 كانت الجائزة الكبرى أ. رفيف الصباغ والتي بدأت استلام أمانة الرد على الموسوسين منذ سبتمبر 2008 بعد مؤتمر سوريا لاتحاد الأطباء العرب وما تزال مجاهدة لا تكل رغم كل شيء ونحن وكلنا خجل ما نزال نثقل عليها لأنها من أهل الفقه على مجانين والذين هم في أمور الدين والفقه والوسواس متخصصين،
وعلى شكل الومض شاركنا د. عبد الرحمن إبراهيم فأجاب خمس استشارات من أبريل 2007 وحتى ديسمبر 2008 ... وقرر بعدها الاكتفاء بالمقالات بسبب انشغاله وله على مجانين مقالات مرجعية في الكثير من الطب النفسي بالعربية السليمة، ومنذ يونيو 2009 شاركتنا أ. دانة قنديل واستمرت معطاءة حتى أبريل 2015 وقد أصبحنا نخجل من إرسال الاستشارات إليها ووضع سوريا على ما هو عليه،..... وما أثقلنا على رفيف إلا لتخصصها المستحيل لغيرها من المستشارين... رفع الله عن أهلنا في سوريا ابتلاءه بعفوه وكرمه ورحمته.
لكن ماذا دهى المصريين؟ وكيف أصبحوا على هذا القدر من النذالة في التعامل مع إخوانهم السوريين؟ بأي منطق وعلى أي أساس أخلاقي أو إنساني يقفون موقفهم؟ لماذا لم يكن موقفنا كموقف أهلنا في السودان؟ لماذا لم نكن على ولو حتى أدنى درجات المسئولية؟ وكأن عقل المصريين توقف فلا تسأل عن إحساسهم بأن تاريخا يكتب الآن كما لم يكتب من قبل تاريخ... لا تكاد تشك لحظة في وجود إحساس أو وعي بذلك بأي درجة من الدرجات، ولا تجد لدى رجل الشارع أنفة من أن يكون نذلا مع الغريب!...
السوريون في مصر إلا من كان صاحب مال مغبونة حقوقهم في أكثر من مكان رسمي وأهلي... رغم وجود جمعيات وأفراد من أفاضل المصريين مهتمين بالشأن السوري وبدعم السوريين إلا أن اللغة التي يتحدثها الشارع فضلا عن النظام الحاكم والإعلام الرسمي أقل ما توصف بها أنها حقيرة.... في حق الشعب السوري.
نعود إلى رئيس التحرير المنتظر لمجانين ذلك الحائز منذ ستة أشهر على الدكتوراه في الإعلام بدرجة امتياز ومرتبة شرف أولى من جامعة القاهرة... تخصص إذاعة وتليفزيون... بصراحة هدية نستبشر بها من الله في رمضان.... ونسألكم ماذا تتوقعون منه لمجانين؟
ونشهد كل قراء مجانين ومتصفحيه الدائمين أننا نتشرف بالسوريين تاريخيا منذ مجانين –لا والله بل منذ المرحلة الثانوية وأستاذي في الكيمياء علي المفتي لعله في رحمة الله الآن- وما زلنا ونبقى ما شاء الله لنا نتشرف بالسوريين.
واقرأ أيضاً:
متى تهرب الشعوب ؟ وإلى أين ؟!