نقصد هنا بالأعمال الفنية المسلسلات والأفلام والأغاني، وكيف عكست هذه الأعمال صورة الشخصية المصرية بصرف النظر ان كانت هذه الصورة متطابقة مع الواقع أو مخالفة له. ونرصد في أغلب الأعمال الفنية الملاحظات التالية:
٠ التركيز على السقوط والانحدار في مسار الشخصية، بمعنى أن العمل الفني يلتقط لحظات الضعف والسقوط والإنهيار والهزيمة والفشل والضياع والجنوح والجموح والإنحراف في الشخصية. ولا أحد ينكر هذا الجانب في السلوك الإنساني، ولكن لحظات الضعف والسقوط ليست هي أجمل ولا أروع لحظات الإنسان التي تستحق الرصد والتصوير والإحتفاء في الأعمال الفنية. وهناك أعمال فنية عالمية كثيرة ناجحة ارتكزت على تصوير لحظات الصعود في الشخصية خاصة حين قدمت قصص نجاح حقيقية لرموز إنسانية رفيعة، وهذا يدحض فكرة أن الأعمال الفنية تنجح فقط حين تركز على الحالات الشاذة والمضطربة في السلوك الإنساني. ولدينا في الفن المصري بعض النماذج الناجحة لتصوير رحلات الصعود وتجارب النجاح حققت انتشارا واسعا (مثل همام في أمستردام، وصعيدي في الجامعة الأمريكية، ومسلسل أم كلثوم، ورحلة إلى إيلات، ومسلسل إمام الدعاة، وغيرها).
٠ إظهار الشخصية المصرية بشكل مبالغ في تشويهه، حيث يركز على سمات سيكوباتية في الشخصية كالكذب والتحايل والفهلوة واللف والدوران والخداع والسرقة والرشوة والعنف اللفظي والجسدي، والمراوغة، والقابلية للإيحاء والإستهواء، والتفكير الخرافي والسحري، والإنتهازية، والبلطجة، والغباء، والقذارة، وتدني الذوق، وانهيار الأخلاق، وتهتك الضمير. ربما يحتج صناع الأعمال الفنية بأنهم يعكسون حقيقة الحياة المصرية والشخصية المصرية التي أصابها الكثير من التلوث والإنهيار، وقد يكون بعض ذلك صحيحا، ولكن الرؤية الموضوعية تدرك أنه في المقابل توجد مساحات إيجابية في الشخصية المصرية تتعامى عنها الأعمال الفنية وكأنها تتعمد فقط إظهار التشوهات في الشخصية المصرية.
٠ الإفراط في مشاهد العنف والبلطجة، وفرض حياة العشوائيات المزدحمة والمضطربة على مجمل الحياة المصرية، فنرى في بعض الأعمال أمثلة للعنف المفرط مثل أن يحرق البطل والده بدم بارد، وفي عمل آخر يشبع البطل غريمه ضربا ثم يلبسه قميص نوم أمام أهل الحارة، ويقتل زوجته وأخته وعدد كبير من رموز المسلسل.
٠ تم نقل حياة الكباريهات وعلب الليل وبيوت الدعارة وأوكار المخدرات بكل ما تحمله من خروج على العادات والأعراف والقيم إلى القنوات التليفزيونية التي تدخل كل البيوت، وقد أدى هذا إلى شيوع حالة من تلوث الوعي العام، وتشويه صورة المجتمع وتشويه صورة الشخصية المصرية والمرأة المصرية على وجه الخصوص على أنها إما راقصة أو عاهرة أو سهلة الإستغلال والإستهواء.
٠ تحكم في الإنتاج مجموعة من رجال الأعمال والمقاولين وتجار المواشي المعروفين بشغفهم في تحقيق المكسب المادي مع ضعف الضمير الإنساني والمهني لديهم فتكون الحصيلة هي انتاج أعمال فنية تجمع بين مشاهد العنف والجنس والقبح والخروج عن الخطوط الحمراء بهدف جذب المشاهد وكسب الأموال، في حين ضعفت رقابة الدولة وتراجعت الكثير من مؤسساتها الفنية والثقافية عن إنتاج أعمال فنية متميزة تواجه بها هذا الكم الكبير من الأعمال المتدنية فنيا والمنحدرة أخلاقيا.
٠ تفشي أكذوبة أن الفن ليس أداة للوعظ وتوجيه سلوكيات الناس لفضائل الأعمال، بل وانتشار اعتقاد راسخ لدى صنّاع الفن الهابط بأن الفن يعكس الواقع بكل قبحه وانحداره وتشوهه، وهذا يعطيهم الحق في الإستمرار في تشويه الشخصية المصرية التي يسقطون عليها كل تشوهاتهم النفسية فيرونها بهذه البشاعة المطلقة. في حين أن الفن في حقيقته رؤية للواقع بإيجابياته وسلبياته ومحاولة للإرتقاء به، وحتى في عرضه لمظاهر القبح يسعى لجعل الحياة أكثر جمالا ونظافة من خلال رسائل فنية غير مباشرة وغير وعظية، وهذا هو الفن الحقيقي الذي نراه في الكثير من الأعمال الفنية العالمية.
٠ طريقة عرض العنف والقبح والتشوه ليست طريقة نقدية إصلاحية، وإنما هي طريقة ترسيخية تبريرية، تجعل البلطجي محقا فيما يفعله لأنه تعرض لظروف صعبة ولأنه لم يحصل على حقه بالقانون، وكأنها دعوة مباشرة وغير مباشرة لأن يأخذ كل صاحب حق حقه بيده من خلال إتقان فنون العنف والبلطجة.
٠ ومع تفشي هذه الأعمال الفنية الرديئة تتدهور سمات الشخصية المصرية وتتدهور أخلاق الناس نتيجة التماهي مع السلوكيات المضطربة المعروضة على الشاشات، فرأينا في الواقع نماذج سلوكية تستنسخ تماما ما قدم على الشاشة من سلوكيان عنف وحرق وانتقام وقتل بدم بارد، وهذا يعرف في العلوم النفسية ب "التعلم بالنمذجة"، كما أن تكرار مشاهدة العنف تقلل من الحساسية تجاهه وتجعله أمرا مألوفا في الحياة اليومية، وهذه جريمة يرتكبها من أشاعوا الفن الردئ في حق الناس.
واقرأ أيضاً:
مصر تطلق لحيتها !....مصر تحلق لحيتها!2/ الحالة النفسية للإسلاميين/ رسالة إلى العقلاء في الإخوان: لا تحملوا السلاح ولا تحرقوا مراكبكم/ صناعة الدكتاتور/ الكلمة تقتل.. والكلمة تحيي/ إسلامية بالشطة، أو علمانية بالسم الهاري!!/ العضّاضون والعضّاضات/ مستقبل تيار الإسلام السياسي/ استراتيجيات حل الصراع/ انتهاك حقوق الموتى/ عودة المتدين الطيب/ إرهاب المعتدلين/ أرجوك لا تترشح للرئاسة/ هشاشة النظام/ لماذا يقتل المصريون رؤساءهم ؟/ الزعيم الملهم/ الأثر النفسي للقفص الزجاجي/ قوة التسامح/ لولا دي سيلفا.. ماسح الأحذية صانع نهضة البرازيل