منذ ظهر دونالد ترامب على وسائل الإعلام مرشحا لرئاسة أمريكا بدأت تساؤلات كثيرة حول تركيبة شخصيته، ومدى سلامته العقلية وتوازنه النفسي ومدى سلامة ميزانه الأخلاقي وذلك نظرا لأهمية المنصب الذي سيشغله ونظرا لما بدا منه من جنوح وجموح وتطرف في الكلام والتوجهات والسلوك، واندفاعية وتهور شديدين. وقد شعر العالم بالخوف من أن يصبح شخصا بهذه التركيبة المضطربة متحكما في أزرار السلاح النووي الضخم الذي تملكه أمريكا.
كانت هناك انطباعات كثيرة عن دونالد ترامب أبداها من تعاملوا معه عبر سنوات طويلة منها مثلا أنه شديد التطرف في آرائه وتوجهاته فهو لا يعرف الحلول الوسط، وهو تاجر يريد أن يربح دائما ولا يعرف المواءمات ولا يحب التنازلات، ومنها أنه شخص استعراضي يتصرف دائما وكأنه تحت الأضواء والكاميرات حتى في حياته العادية، وربما كانت لديه رغبة في أن يصبح ممثلا وقد ظهر في بعض الأدوار فعلا في أفلام معروفة، وهو شخص لا يهتم كثيرا بالثوابت والقواعد والأعراف بل كثيرا ما ينتهكها إذا كان في ذلك مصلحته أو سعادته، ولغته دائما ملتهبة ومفاجئة وصادمة، ولكنه في ذات الوقت ملفت للنظر بكل هذه التركيبة المتطرفة والمتناقضة والنزوية. وهو ظاهر الثراء وظاهر الانتماء لطبقة المترفين والمرفهين، ولا يخفي عنصريته تجاه الفقراء والأقليات والمخالفين له في اللون أو الدين أو العرق، ولا يخفي فاشيته ورغبته في التطهير العرقي في أحاديثه العامة والخاصة.
وحين ترشح ترامب للرئاسة بدأت مراكز بحوث ودراسات نفسية متعددة في محاولات تقييمه من الناحية النفسية أكثر من أي رئيس أمريكي سابق وذلك بسبب جنوح آرائه وتوجهاته وتناقض ذلك مع ما هو متوقع ممن سيكون رئيسا لأقوى دولة في العالم.
وسنحاول هنا من خلال المتابعة الحية لسلوك هذا الرجل ومن خلال قراءة عميقة في لغته اللفظية ولغة الجسد لديه أن نرسم بروفايل نفسي لشخصيته تساعدنا (وربما تساعد أولي الأمر لدينا) في فهم هذه الشخصية وحساب ردود أفعالها.
تبدو على ترامب سمات نرجسية عالية فهو شديد الإعجاب بذاته ومهتم بشياكته وأناقته وتسريحة شعره، ويتصرف كممثل ويتوقع أنه تحت الأضواء في كل حركاته وسكناته، ويرى أنه متفردا ومتميزا على كل من حوله ويتصرف من منطلق الأهمية والعظمة ويبالغ في تقديره لذاته ، ولا يحب إلا نفسه.
ولديه إحساس بالقدرة المطلقة على فعل كل شيء وأي شيء بصرف النظر عن ظروف الواقع المحيط به، ويحتاج لأن يمدحه ويمجده كل من حوله، وهو في ذات الوقت لا يستشعر مشاعر أو احتياجات الآخرين لذلك كثيرا ما ينتهك حقوقهم ولا يبالي بآلامهم أو احتياجاتهم. وتحت هذه الهالة من العظمة الزائفة والذات المنتفخة تكمن حالة من الهشاشة النفسية والضعف الداخلي يظهران عند أول انتقاد عنيف أو هزة نفسية أو إهمال من الآخرين. فلديه شعور عميق بعدم الأمان يتغلب عليه بجلب مزيد من المال وجلب مزيد من السلطة والشهرة والنفوذ. فهو يحتاج لأن يكون في الموقع الأعلى ليثبت لنفسه وللآخرين قوته وتميزه وجدارته.
وتبدو عليه أيضا سمات هيستيرية تتبدى في رغبته الملحة في الاستعراض وجذب الأضواء والسعي نحو الشهرة، والرغبة في جذب الاهتمام، والرغبة في الإغواء والاستهواء، وتعددية العلاقات وسطحية المشاعر، ودرامية الحديث.
ولا يخلو من سمات سيكوباتية تتمثل في الانتهازية والعنصرية والفاشية، وعدم احترام القواعد والأعراف والتقاليد السائدة، والنيل من الآخرين واحتقارهم وعدم الشعور بالذنب تجاههم وفقد القدرة على التعاطف معهم، ووقوعه في أخطاء شخصية متعددة ذات طابع نزوي واندفاعي، واهتمامه بالمتع والملذات على حساب القيم والأخلاق.
وهو شخص عنيد جدا لا يتنازل عن أي شيء بسهولة، ومفاوض مرهق في العمليات المالية حسب شهادة من تعاملوا معه في مجال البيزنس.
وأخيرا سنحاول تقييمه على خمسة محاور وهي :
1 – الانبساطية: فهو كثير العلاقات على المستوى الشخصي وعلى مستوى علاقات العمل فهو طول الوقت يتحدث إلى الناس مباشرة أو بالتليفون، ولديه ميل للتأثير الاجتماعي والسيطرة الاجتماعية، ولديه درجة عالية من الحماس والقيادية، ويحتاج تلقي التدعيم من الآخرين دائما. وهو كشخص انبساطي يريد أن يعيش مفعما بالسعادة، والسعادة لدي ترامب تنحصر إلى حد كبير في الحصول على المال والنفوذ بما يمكنه من التوغل في ملذات الحياة. وهذا البعد الانبساطي يفسر تواجده المكثف وسط الناس وقدرته على التأثير فيهم. وانبساطيه تظهر في كونه ممثل اجتماعي ولكنه ممثل درجة ثانية نظرا لمحدودية قدراته وموهبته في التمثيل، ولكن هذا القدر من التمثيل يكفيه لخداع عدد كبير من الناس السطحيين والقابلين للإيحاء والاستهواء.
2 – العصابية: متوتر دائما، ومتقلب انفعاليا، وغضوب، ولديه الكثير من المشاعر السلبية. والغضب لديه جاهز للانطلاق في أي لحظة ويتبدى في عنف لفظي (كلمات نابية وعنيفة وخادشة للحياء) وفي حركات الجسد وهو يوظفه في السيطرة على تابعيه وعلى خصومه إذ يلقي في نفوسهم الرهبة ويظهر قويا متمكنا مقتحما ومخترقا حواجز الحياء والخجل والتردد.
3 – الضبط القيمي: لديه ضعف في المنظومة الأخلاقية، فلا يلتزم بالضوابط والأعراف، ولا يلتزم بالنظام والبروتوكولات، ولا يعرف السلوك الاجتماعي النمطي المهذب.
4 – التوافقية: لديه ضعف شديد على هذا المحور، فهو يميل إلى الصراع والجدال وربما الصدام مع الأفكار والأشخاص والتوجهات الثابتة. وهو لا يهتم بالآخرين ولا يرعى مشاعرهم ولا يبدو منه أي تعاطف أو دفء عاطفي. ربما يذكر عنه حبه لعائلته، ولكن في الحقيقة فإن الشخص النرجسي حين يحب عائلته فهو يحبهم ليس لأشخاصهم ولكن لأنهم امتداد لذاته وهم أيضا يخدمون هذه الذات بشكل أو بآخر فربما تجده يبدو وكأنه حنون على زوجته (أو بالأحرى زوجاته) وعلى أولاده، وربما يفعل ذلك أيضا مع بعض المقربين منه ولكن خارج هذه الدائرة لا يعرف الحب أو الرعاية لأحد، وإذا فعل شيئا من ذلك فربما على سبيل الاستعراض الإعلامي ليس إلا (وهذا ما فعله مع بعض الأطفال المرضى بالسرطان).
5 – الانفتاحية: وأيضا درجاته ضعيفة جدا على هذا المحور إذ لديه صورة مغلقة جدا عن الناس وعن الحياة، وليس لديه الفضول لمعرفة الجوانب الأخرى في الموضوعات المختلفة، وليس لديه القدرة على استيعاب رؤى وأفكار جديدة، بل ينغلق عقله تماما على ما استقر لديه من أفكار ومفاهيم.
وربما يسأل سائل: إذا كان ترامب بهذه التركيبة النفسية، فكيف ولماذا انتخبه الأمريكيون؟؟... والإجابة هي أن الأمريكيين ينبهرون بهذه الشخصيات الاستعراضية الانبساطية التي تتحدث بثقة حتى ولو خطأ وتميل إلى المغامرة والمخاطرة واستعراض القوة وانتفاخ الذات خاصة إذا كان هذا الشخص قد حقق ثروة كبيرة في حياته فهذا معيار نجاح لدى الأمريكيين وشهادة جدارة للشخص، أما مسألة تطرفه أو عنصريته أو سلوكه النزوي (في تحرشاته وألفاظه) فهذا لا يعيبه في الثقافة الأمريكية التي تميل إلى البراجماتية وعبادة الدولار والاستمتاع بالحياة بلا قيود. إذن فاختيار ترامب مفهوم جدا إذا فهمنا العقلية والثقافة الأمريكية.
وعلى الرغم من سلبية الصفات السابقة، إلا أن تاريخ ترامب ملئ بالمكاسب على المستوى المالي والاقتصادي فهو تاجر عقارات ناجح لديه الكثير من الأبراج وناطحات السحاب ويعيش في منتجع أسطوري ولديه كازينوهات للقمار. ويبدو أن لديه قدر من الضبط البراجماتي مكنه من تراكم هذه الثروات، ومكنه أيضا من تكوين أسرة (على الرغم من تعدد زيجاته).
وعلى الرغم من اندفاعيته وجموحه وجنوحه وعنصريته، تلك الصفات السلبية التي تبدت اثناء حملته الانتخابية، إلا أنه حين يصبح في موضع المسؤولية فإن براجماتيته قد تحجم تلك الصفات إلى درجة ما إضافة إلى تحجيم مؤسسات صنع القرار، ولكن لا أحد يعرف بالضبط إلى أي مدى سيتم تحجيم كل هذه الصفات السلبية.
وأخيرا فهذه هي القنبلة الموقوتة التي تقترب من مقعد الرئاسة في البيت الأبيض، وعلى الجميع أن يتحسبوا لمخاطرها فربما نكون أمام هتلر جديد.
واقرأ أيضاً:
مصر تطلق لحيتها !....مصر تحلق لحيتها!2/ الحالة النفسية للإسلاميين/ أرجوك لا تترشح للرئاسة