تعوّدنا على سماع مصطلح "الشرق الأوسط", كوصف لمنطقتنا ومضت التسمية لعقود, ويبدو أنها في مرحلة لفظ أنفاسها الأخيرة, وسيتم الاستعاضة عنها بتسمية "الشرق الأسقط"!!
فالمنطقة محكومة بثلاثة قوى إقليمية عظمى, حوّلت البلاد العربية إلى سوح وميادين لتصارعاتها وتجاذباتها وتوافقاتها, وهي متفاعلة ومتواصلة مع إرادات القوى العالمية الكبرى, فما يجري في المنطقة العربية يتحقق وفقا لتوازنات تفاعلية ما بين الدول الإقليمية الثلاثة القوية اقتصاديا وعسكريا, وبين القوى العالمية التي تتحرك بالمصالح والغايات والتطلعات, وما توفره من حمايات للقوى التي تريدها أن تكون مهيمنة ومتحكمة بمصير العرب.
والعرب يتعثرون ببعضهم البعض وينتقمون من بعضهم البعص, ووجدت القوى أن الدين هو الوسيلة التي تمحق العرب, فشجعت الأحزاب والحركات والنشاطات التمزيقية التفريقية, وساندت الطائفية والمذهبية والعنصرية, وجعلت من العربي عدوا شرسا للعربي, ومن المسلم ألد عدو للمسلم العربي, ووزعت التسميات والتوصيفات التي تبيح الفتك والدمار, وأسست المجاميع التي تنتهك حرمات الدين بالدين.
وفي هذه المحنة الانقضاضية الفتاكة التي تنهال على الوجود العربي في كل مكان, تجد الحكومات العربية وقد أصبحت أدوات تنفيذ لمشاريع الآخرين المفترسين للوجود العربي, حيث يتحقق تدمير القوة العسكرية العربية بالتمام والكمال والقضاء على القدرة الاقتصادية والمعرفية والإنجازية والزراعية والعلمية والتربوية في العديد من الدول العربية, ودفع العرب إلى الرحيل والتشرد والتبدد في المجتمعات الأخرى, لكي تنمحق هويتهم وتضيع مميزاتهم وما يشير إليهم, ويبدو مصير العرب في أوطانهم كمصيرهم في بلاد الأندلس.
بل أن التجربة الأندلسية يمكن تطبيقها بأساليب أقسى وأفظع في بلاد العُرب أوطاني, ويمكن تمزيق العرب وفقا لآلياتها شر ممزق, وهذا ما يحصل ويدور منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم, بعد أن سمح العرب للأسود والوحوش أن تدخل إلى ديارهم وتعيث فيها فسادا وتدميرا, وتناثرهم إربا إربا.
وهكذا تجد العرب أينما التفتوا أو نظروا تواجههم أنياب مكشرة ومخالب متحفزة للنيل منهم وأكلهم حتى نخاع العظم, وفي هذا المعترك الفنائي المرعب تحول العرب إلى فرائس تفترس بعضها, وتقدم بعضها هدايا كالقوازي المحشية على موائد الولائم الإقليمية والعالمية, وهم يتفرجون على مآسي بعضهم البعض, وكأنهم يجهلون بأن الذي يقدم أخيه فريسة لأعدائه سيكون هو فريستهم القادمة.
وقد تحقق ذلك بوضوح عندما قدم العرب العراق لأعدائهم وتعاونوا معهم لافتراسه والتنكيل به وتدميره واحتلاله, فوجدوا أنفسهم بعد أقل من عقد في مأزق لا يحمدون عليه, وكل منهم ينادي "يا روحي", وقد وقع في قبضة الذين تعاون معهم لقتل العراق.
واليوم يشهد العرب أخطر مراحل وجودهم عبر التأريخ القديم والحديث, لأنهم قد صعّروا وجودهم للآخرين ومرغوا جباههم بأوحال التبعية والإذعان والاعتماد على أعدائهم في تقرير مصيرهم, ففقدوا مفردات وعناصر عزتهم وكرامتهم, وتميعت ذاتهم وانتفى موضوعهم, وأصبحوا في غياهب الأيام متخبطين, ومعظمهم صار يتوسل ويستجدي العطف من أعدائه ويقدم خدماته الكاملة لقتل أخيه, لكي يرأف به مفترسه ولو لحين!!
فهل أن العرب قد سقطوا في حضيض سقر؟!!
واقرأ أيضاً:
بلاد الأرقام أوطاني؟!!/ العقيدة العلمية الغائبة!!/ هل نراجع لكي نكون؟!!/ الاعتماد القاتل!!/ صوت الكلمة!!/ البشر البضائع ضائع!!/ التجهيل الوطني!!/ اللغة والبشر!!/ اللغة العربية!!/ النفس العدمية!!/ التعفن الفكري!!/ قراءة سلوكية لعام جديد!!/ الأمة يستعبدها المُستورَد!!/ عام التفاقم يا عرب!!/ امرأة دين!!/ الإدراك الأرضي!!/ أنتمْ مُخطئون فلا ترموا بعضكم بحجر؟!!/ إذا سقط الوطن يسقط ما فيه!!