مرضى التصلّب المتعدّد فريسة رِهاب (العجز)؛ و(خراب البيوت)..!
إنّه مرض تصلّب العصب المتعدّد بالجهاز المركزي العصبي؛ والمعروف بالـ (M.S) وهو مرض نادر؛ يشاء العزيز الجبار؛ أن يجبر خاطر من اصطفاهم من خلقه؛ ونحسبهم لديه من الأخيار؛ وأن يمنّ عليهم بهذا الدّاء، الذي لم يكتشف له أيّ علاج حتى اليوم في جميع أنحاء العالم..
من 30 إلى 40 ألف مواطن مصري تقريباً؛ أقلّ من 1% من مائة مليون مصري؛ معظمهم من الشباب مابين 20 و40 عاما؛ أكرمهم الله عزّ وجلّ؛ بهذا الابتلاء.. وكُلّ الأدوية الخاصة به؛ لوقف تدهور الأعراض، وتقليل فاعلية الهجمات الخاصة بهذا المرض اللعين؛ والتي فيه تطّرد من وقت لآخر، فتجعلنا نحيا ليل نهار نترقب هذه اللصّ؛ وهو يعسّ بجوار لحم البضّ؛ بلا حولٍ ولا قوّة؛ لينزع جزءاً عزيزاً لديهم؛ أو يعجز ويشلّ آخر؛ أو يسلب نور عينهم؛ ويدخلهم من معاناة لأخرى أشدّ، وتتهادى في غيبها ليلة بعد أخرى؛ تحمل مجهولاً؛ يزيد عيشهم بؤساً ويأساً من طلّ فجر أمل..
ويطول حزنهم، ودمع مكتوم يتحجّر بين جفونهم؛ فلا يعرفون راحة نفس، ولا يهنأون بسكينة نوم؛ ولا تودّهم مرافئ حلم يقظة..
ويا له من عدو شرس؛ ومرض رهيب؛ وآثاره مزعجة؛ يقتل براء حلم في مهده.. منتهى الثقل على الصدر، وليس للمرء فيه حيلة؛ إلا لبّ أمر القدر؛ وخضوع قهر؛وإذعان جبر؛ وانصياع عبد؛ وقهر أسر..
،،،،
هؤلاء المرضى وذويهم لا يملكون غير الدّعاء والرجاء من الله عزّ وجلّ؛ ومداواة المرض بقليل الصدقات التي يملكونها؛ بعد أن تجهز تكاليف المرض على الغالي والنفيس؛ وبعد العجز الإجباري؛ لأيّ إنسان شريف؛ غني أو فقير؛ عن تدبير تكاليف العلاج.. وهذا المرض التتري يغزو الإنسان بدون سابق إنذار؛ ولم يكتشف لهذا الداء أيّ سبب حتى الآن، (وقد تكون بعد 6 ساعات، وأحيانا بعد 6 سنوات) على رأى أحد الأطباء؛ خلال مشقة رحلة العلاج..
وإهمال الدواء لهذا الداء المجهولة أسبابه لدى العلماء حتى هذه اللحظة _ رغم إنه ليس علاجاً_ إلا إنه يواجه تفاقم آثار هجماته؛ فلا يتدهور بالمريض؛ ولا تستوحش بعالمه؛ ويؤدى إلى شلل كلّي؛ أو عمى؛ أو صداع مزمن نصفي لا يطاق.. أو.. ألخ
ويتحوّل زهرة شبابنا وفلذات أكبادنا إلى كتلة لحم؛ تجرّ على عربات، أو تسحب في ظلام الحياة..
وبجوار صرخات المرضى ليل نهار؛ يموتُ الآباء والأمهات..
وربّما يأتي يوماً يمرّون على القبور يتمنوّن لو كانوا مكانهم؛ أو كان فلذات أكبادهم بها؛ رحمة بيأسهم؛ وتخفيفاً لآلامهم؛ ودرءاً لقادم ظلمة وسواد حاضر وغدّ مصيرهم، بالإضافة إلى ذلّ حاجة سؤلٍ للمرضى دوام حياتهم؛ لعدم القدرة على تكلفة علاجهم مدى حياتهم.. ولا يكفي عدم وجود علاج لهذا الابتلاء القدري، إنما تكلفة علاجه الشهري من الحبوب تتجاوز ثلاثين ألف جنيهاً..
هذا غير الفحوصات من التحاليل وأشعات الرنين، والمتابعات الطبية من تعدّد زيارات كبار الأطباء؛ والإقامة بالمستشفيات لأخذ جرعات الكورتيزون ؛ وتجربة أول حبة تحت إشراف الرعاية الطبية الكاملة بالمستشفيات.. وغيرها؛ وتكاليف عمليات نزع النخاع وتحليل السائل الشوكي؛ والأشعات التليفزيونية للشبكية.. وغيرها؛ وتكرارها أغلب هذه الدورة كل عدة أشهر؛ ومع زيارة كل هجمة؛ والتي تتكلف آلاف آلاف الجنيهات؛ سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة..
فأيّ مواطن شريف لديه هذه المقدرة على تحمّل هذا التكاليف شهرياً مدى حياته؛ وكذلك مدى عمر المرض لابنه؛ لأنه مرض مزمن مدى الحياة؛ وبلا شفاء؛ رغم إيماننا بأن الشافي هو الله؛ وهو طبيب الطبايا رغم أنف الأطباء؛ عجائز وصبايا، وبيده وحده سرّ الخفايا..
،،،،
والدولة نجحت في محاصرة العديد من الأمراض الخطيرة؛ بالرعاية التامة؛ والدّعم الكامل معنوياً وماديا وإعلامياً؛ وإحكام توفير كافة احتياجات المرضى؛ مثل ملفّ فيروس سي؛ وملف مرضى السرطان.. وغيره في مجال الصحة..
وأيضاً يطلقون على مرض (التصلب المتعدد M.S) ؛ بمرض (خراب البيوت)، ولكل مصاب قصة ورواية؛ حول ما باعه لتوفير ثمن علاجه؛ أو من أجل فلذة كبده؛ وعافية ولده؛ ومقاومة انهيار عجزه؛ ولجعله يظل مواطناً مصرياً شريفاً، ولكنه ؛غصب عنه؛ ومن أجل الأبناء؛ قد ينحني وينكسر أمام الداء؛ طلباً للحاجة؛ مادياً أو معنوياً أو سعياً خلف ذوي واسطة ؛ ومحرّك الخدمة بشكل أسرع وأيسر؛ وأحياناً من يملك مع الله وصلاً؛ لتيسير الأمور وتعجيلها؛ بعد الرجاء والتماس ستر العافية والعفو من جود رب الناس..
وإني ـ بعد الله ـ لأدعو الحكومة؛ وعلى رأسها رئيس الدولة؛ والبرلمان؛ كسلطة تشريعية؛ أن تضع هذا الملفّ ضمن أولوياتها؛ رحمة بالمرضى الشرفاء من أبناء مصر؛ فيتم تفعيل بعض القرارات الهامة؛ وخروجها لحيز التنفيذ:
أولا: فتح أقساماً بكل قطر في جميع أنحاء مصر؛ لتلقى فحوصات هذا المرض مجاناً؛ ولا تقتصر فقط؛ كما هو الآن في أربع أماكن في مصر بالإسكندرية والقاهرة؛ وإن لم يكن؛ فلنبدأ بعواصم المحافظات؛ وبالمستشفيات الجامعية؛ وهذا سيساهم بفعالية ومصداقية؛ من حصرهم على مستوى الجمهورية؛ ودراسة حالاتهم وتطورها العلمي؛ وإجراء الأبحاث على نتائج أحدث الأدوية اللازمة لكل حالة؛ خاصة أن الشركات تتاجر في هذه الأدوية؛ وبها مافيا الكسب السريع؛ على حساب صحة المريض؛ الذي لا حول له ولا قوة؛ ويهرول أمام أي وهم دعائي دون وجه حقّ. كما يتم نتائج الوسائل العلاجية الحديثة..
وما أنزل الله من داء وإلا وله شفاء، وإنما العجز والتقصير منا؛ ولم يحن الوقت بعد..
ثانياً: إجراءات تيسير العلاج على نفقة الدولة؛ وسرعة إصدار القرارات، ورصد مبالغ مالية مناسبة؛ لتغطي أطول فترة زمنية ممكنة؛ وأيضا سرعة إجراءات التجديد؛ وفي أقصر مدة زمنية؛ دون معاناة ومشقة الروتين الحكومي؛ مادامت موجودة الفحوصات والتحاليل اللازمة؛ دون جرّ المريض من مكان لآخر؛ وتحمل نظرات الناس، وسهام الشفقة، ومصمصة الشفاه تأففاً لحال عزيز قومٍ ذلّ؛ دون سوء فعل؛ ولا عصيان أمر عبدٍ ولا ربّ؛ إلا بعض الحزن؛ في الإيمان بما أنزله الله به من خير في عظيم ابتلاء؛ وعنده له الأجر الكبير..
ويكفي معاناة المرض؛ خاصة وأن الوقت ليس في صالح المرض، ولا المريض؛ الذي يعيش مترقباً الهجمة من عدوٍ لا يراه؛ ولا يعرف؛ غير الله وحده؛ موعد غزوه وعدوانه؛ ولا ينتظر حتى أن نفتح له باباً، ويزورنا بدون موعد؛ ونجهل أي شيء عزيز وغال؛ سيغتصبه ويخطفه منا؛ عنوة؛ في كل مرة يطرق حسّ وجسد ونفس المريض..
ثالثاً: وهؤلاء المبتلون في صحتهم ونفوسهم؛ نسبة تقل عن واحد في المائة من شعبنا العظيم؛ في حالة عدم توفير الدواء المخصّص لكل مريض بالمستشفيات الحكومية؛ أو مستشفيات الطلبة؛ أو التأمين؛ يكون من حقّ المريض أن يشتريه؛ أو يذهب لأحد البنوك لتوفير المال اللازم ثمناً له؛ ويمكن تحديد جهات رسمية للشراء منها؛ أو صيدليات تابعة للدولة؛ ضماناً للمصداقية وعدم الاتجار؛ أويتم تسوية الشراء بفواتير رسمية. كما من الممكن عمل شبكة عن طريق الكمبيوتر؛ للبحث عن الدواء في جميع المراكز العلاجية التي تصرفه على مستوى الجمهورية، فربّما كمية السحب في جهة أقل من الأخرى؛ ومتوفّر بها؛ خاصة وأنه يصرف شهرياً. المهم توفير الدواء عندما تعجز ميزانيات المؤسسات الحكومية عن توفيره أو تأخيره؛ لأنه كما ذكرنا الضرر يتناسب عكسيا وآثار الداء. فالتأخير يعنى تدمير أكثر للجهاز العصبي المركزي من وقتٍ لآخر.. وفى آخر لقاء لي وإحدى الحالات لسيدة في الستين من عمرها؛ وقد تصلب نصفها الأيسر؛ وفقدت الإحساس؛ وهجم على شبكية العين؛ وتصرخ من غرز مسامير الصداع النفسي برأسها؛ ودواء (الإنترفيرون) غير موجود بمستشفى حكومي وقتها. ولعدم قدرتها المادية؛ توقفت عن شراء الدواء منذ ثلاث سنوات؛ بعد عودتها من أبو ظبي؛ وكانت تصرفه هناك مجاناٌ..
يكفى فقط إصابة المريض؛ دون إجراءات روتينية؛ وأوراق؛ ومحسوبيات..!
رابعاً: ضرورة توفير الرعاية والعلاج النفسي مجاناً مع العلاج الدوائي، لأن أغلب المصابين بهذا المرض؛ وهم من الشباب؛ في حالة تدمير نفسي؛ خاصة بعدما يدخلون على المواقع الاليكترونية؛ ويرون المآسي؛ وما آلت إليها حالات الإصابة؛ وضحايا المرض؛ أسرى الأسرّة؛ والكراسي المتحركة؛ والرعشات العشوائية؛ والتنميل الدائم؛ وانعدام الإحساس؛ والمدلاة رؤوسهم ضموراً وعجزاً.. وغيرها من المآسي..
وما يمكن أن يأخذهم الخيال البشري إلى عوالم لا حدود لها؛ تمّر أحلامهم للمستقبل؛ وتظلم القادم في حياتهم..
ومعظم الأطباء ينصحون المرضى بألا يعلموا المريض باسمه ؛إلا عن طريقهم..
لأنه عندما يعرف حقيقة الأمر، ويتأمّلها على النت، يغدو إنساناً آخر؛ لا نعرفه؛ يغشاه التيه والعزلة واليأس والاكتئاب.. وغيره من أضرار نفسية؛ ليست في صالح المريض..
خامساً: إدراج هذا المرض المكتشف حديثاً ضمن لائحة الأمراض المزمنة الأولى بالرعاية؛ مادياً بالشركات والمؤسسات الخاصة والحكومية والاستثمارية؛ مثل السرطان وغيره، والتي يًخصّص لها في العلاج العائلي للموظف مبالغ بعشرات ومئات الآلاف والآلاف سنويا، بينما يدرج مرض(M.S) ضمن العلاج العائلي العادي؛ الذي لا تتخطّى آلافه عدد أصابع اليد..! وذلك بدعوى أن اللوائح لا تسمح؛ لأنه غير مدرج ضمن المخصّصات المالية لعلاج الأمراض المزمنة بعد؛ رغم أن يتكلف أكثر وأكثر وأكثر كما ذكرنا آنفاً.. ولا مجال للشك لدى جميع الإدارات الطبية بالشركات. ولأن الإصابة به محدودة؛ تجعل التحرك لتغيير اللوائح بطيئاً..
سادساً: لمستقبل هذه الفئة؛ خاصة الشباب منهم؛ يتم إدراجهم ضمن نسبة الـ (5%) عند التعيين؛ وعدم رفضهم في التعيينات لظروف مرضهم؛ خاصة إذا ما قدموا شهادات تفيد؛ أنهم يعالجون على مستوى الدولة؛ أو تحت أي مظلة تأمينية ما، ولن يكلفوا المؤسسات التي يتقدّمون للعمل بها أي أعباء مالية في علاجهم؛ وأن آثار مرضهم؛ لا تؤثر على الوظائف المتقدم لشغلها..
،،،،،
هذه بعض المقترحات لدراستها في هذه الملف الأولى بالرعاية؛ لفئة مهمشة؛ الكثير منها ينتحر ذاتياً؛ أو ينتظر ما ليس منه بدّ..
والندرة في أعداد المرضى؛ تدفعنا أكثر لنكون أولى بالنظر إليهم؛ خاصة إن كانت توأم عمر (مرض مزمن)..
وهذه الفئة المبتلية في صحتها؛ والمذلّة ف نفسيتها؛ والكاسرة لعزّة وكبرياء أسرها.. هذه الفئة جزء موجوع من شباب مصر، ربما جرحاً لا يميت الجسد المصري، ولكنه يؤلم باقي الجسم والقلب والروح والعقل، ويُحزن العامة قبل الخاصة، ويُبكي الصحيح قبل المُداء.. وليس بعد المواطن المصري من عظيم همّ.. وليس بعد شباب مصر من درّ، وثروة لا تقدر بغالٍ ولا نفيس.. ولنحسن الاهتمام بالزهور حتى تظلّ في بساتينها؛ وإن حكم عليها الدّهر؛ بعدم البوح بصفاء عطر.. ولا تدعها وحدها دون عونكم؛ فتجفّ وتذبل، وهي لا تزال قادرة على أن تسرُّ الروح؛ وتصفو النفس عند رؤيتها؛ زينة رياض مصر..
واقرأ أيضًا:
الأمل في علاج التصلب العصبي المتعدد Multiple Sclerosis