تتوالى أحداث العنف الأسري الموغلة في الغرابة والقسوة، ويظهر حادث بنها يوم 31 أغسطس 2018 م، حيث يشم الجيران رائحة كريهة تنبعث من شقة في الدور الرابع بعد أسبوع من اختفاء الزوجة وعدم ظهور الأب والأطفال، وعندما فتحت الشقة وجد الأب وأطفاله الأربعة في حالة تعفن وتحلل وتم تجميعهم في أكياس سوداء ليبقى السؤال: من القاتل، وأين الزوجة / الأم ؟، وتتطاير الأخبار وتتجمع الرويات وننتظر جميعا نتائج التحقيقات حتى تتضح الصورة، وإلى أن يحدث ذلك فلدينا الصورة الإنسانية لأحوال هذه الأسرة المأزومة التي ماتت ونحن عنها غافلون.
عاشت هذه الأسرة معزولة حسب رواية أحد الجارات التي قالت: "إحنا ماكنّاش بنتعامل معاهم لأنهم أغراب، ودي طبيعة أهل المنطقة هنا، الغريب مش بنتعامل معاه ولا بنكلمه، ما هو ممكن يكون عامل مصيبة بره وجاي مستخبي هنا "، ولنا أن نتخيل تأثير هذه العزلة على أفراد الأسرة المنبوذين لا لشيء إلا لأنهم حضروا إلى المنطقة منذ ثلاث سنوات.
والزوجة ربة الأسرة الضحية لم تكن تبوح بما يحدث بين جدران شقتها إلا لبائعة الخضار التي قالت عنها بعد الحادث: "الست دي تعبت وكانت بتكافح علشان تربي عيالها، وهو راجل كان ظالم وكان بيضربها "، وتضيف بأنها كانت تساعد زوجها في المعيشة وكانت تلجأ إلى أعمال تدر لها أي دخل تنفق منه على أبنائها الأربعة، وكانت تلجأ إلى شراء أجولة الأرز للتربح من بيعه لسكان المنطقة وأن حالتها المادية كانت صعبة للغاية "كانت بتستلف مني خضار علشان تأكل عيالها، وجوزها كان قاعد في البيت مش شغّال".
وتقول صاحبة محل لبيع أدوات مكتبية في المنطقة بأنها كانت تسقط أمامها وتصاب بالإغماء بسبب تعرضها للضرب المبرح بشكل مستمر، "كان بيبقى نايم ويقول لها انزلي اتصرفي هاتي لي فلوس، وكمان اتجوز عليها وكان بيجيب مراته في الشقه دي ويخليها تخدّم عليها، وكان بيهينها".
وحين فاض بها الكيل تركت المنزل وذهبت إلى بيت أسرتها في شبرا الخيمة، ولكنها لم تجد قبولا من أمها، ثم ان أختها اتهمتها بسرقة الذهب الخاص بها، واتضح بعد ذلك أنها بريئة من هذه التهمة، فتركت بيت أهلها، وعادت إلى جحيم زوجها لتربي أبناءها، وكانت تضطر إلى بيع "العيش الناشف" لأحد الجيران مقابل كوب لبن لأبنائها.
هكذا تعرضت الزوجة لضغوط متعددة ومتراكمة، ولم يشعر بها أحد، ولم تجد مخرجا من هذه الضغوط، فهل يا ترى وصلت للنقطة الحرجة التي انهارت فيها دفاعاتها، وقررت أن تنهي هذه المعاناة وتنهي كل صراعاتها بالتخلص من أبنائها وتخليصهم من العذاب الذي يعيشونه، وقبل ذلك تتخلص من الزوج الذي سبب لها ولهم كل هذه المعاناة، وتصرخ في وجه المجتمع الذي لم يشعر بها ولم يقدم لها أي مساعدة ؟ ..... لا ندري، ولكن من المؤكد أن بيننا الكثيرات والكثيرين يقعون تحت ضغوط مادية وعائلية شديدة الوطأة ولا يشعر بهن أو بهم أحد، حتى يصبحون على حافة العنف ويتساقطون فيه في لحظة انهيار قدرتهم على التحمل ويصبحون أطرافا في جريمة تنقلها الصحف لنتحسر ونتألم عليهم، أو نغضب منهم ونلعنهم، ولا نفعل شيئا حيال مأساتهم المتكررة ....
ارحموا هؤلاء الضعفاء والبؤساء والتعساء يرحمكم الله.
واقرأ أيضًا:
أبناؤنا والأسر المعتلة / مفهوم الأسرة وفلسفتها / ظاهرة العنف في المجتمع المصري(3) / الأسرة المأزومة على حافة العنف