العملية الاستخبارية الإسرائيلية، والتي تم إحباطها من قبل المقاومة الفلسطينية شرق خانيونس، من خلال دحرجة المعضلة إلى العمق الإسرائيلي، عملت على زلزلة إسرائيل برمّتها، ليس بسبب مقتل اللفتنانت كولونيل فقط -وهي رتبة عالية- بل بسبب أنها عبّرت عن الترهل الاستخباري الإسرائيلي، وخاصة المعمول به داخل القطاع المقاوم، علاوة على أن الشكل الذي يمكن أن ترد به فصائل المقاومة بشكلٍ أكبر من الذي تمّ الردّ به، لا يزال مجهولاً.
برغم ما أعلنت إسرائيل، من أن العملية لم تكن لأجل التصفية أو الاختطاف، ولكنها أُبرمت لتحقيق جزء مهم، من جهدٍ مستمرٍ على مدار السنين الفائتة، والتي تشمل جميع القطاعات الأمنية، في سبيل الحفاظ على التفوق الإسرائيلي فقط، إلاّ أن حركات المقاومة أعلنت بأنها ضاقت ذرعاً من التعديات الإسرائيلية وتحت أي حجّة كانت، وخاصة في الظروف التي عمدت فيها إلى التقليل من إشعال الحدود المحاذية على طول القطاع، والانخراط في تفعيل هدنة.
فشل العملية الإسرائيلية، في مقابل اعتبارها - برغم قساوتها- لدى حماس، كحقيقة يمكن الاعتزاز بها، بما لها من دور كبير في تخفيف رد الفعل المتوقع وسواء من جهتها أو من جهة فصائل المقاومة الأخرى أو من قِبل الفلسطينيين عموماً، سيعمل على قيام المؤسسات الإسرائيلية والاستخبارية بالذات، بتفتيش نفسها تباعاً، والتفكير مرّة بعد أخرى في المستقبل، قبل التفكير بإعادة نشاطها داخل القطاع، حتى في حال حصول تقديرات استخبارية صحيحة وبنسبة عالية، بسبب فشل هذه العملية، وقد كانت في نظرها، ومنذ تجهيزها وحتى الوهلة الأولى من تنفيذها، عملية ناجحة.
لولا التأكّد من علم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" بتوقيت هذه العملية واهتزازه لنتائجها، برغم قيامه بإتاحة الجهود للاستمرار في تكثيف ترتيبات التهدئة، وكنا قد سمعناه يُدافع عنها وبطريقةٍ وافية، لكان لدينا احتمالاً كبيراً، بأن تكون جهة ما في إسرائيل، فكرت بمحاولة نسف تلك الجهود، وذلك رغبةً في خلق أجندة سياسية مُعاكسة، حيث كانت جهات إسرائيلية متعددة، قد أعلنت عن رفضها لأي تهدئة مع حماس، بل ومنهم من توعّد باستمرار ممارسة التحريض حتى الوصول إلى مواجهة عسكرية ضدها، تهدف إلى إنهاء سلطتها داخل القطاع، وتصفية آثارها، حتى برغم التنازلات الدراماتيكية التي قدمتها لإسرائيل مؤخّراً، مقابل الوصول إلى التهدئة.
هذه العملية، وبدل أن تكون بمثابة مناسبة سعيدة مثلاً لوزير الدفاع "أفيغدور ليبرمان"، ووزير التعليم "نفتالي بينت" وآخرين، باعتبارهم يمتنعون عن التلفظ بحروف التهدئة، إلاّ أن الفشل الكبير الذي اعتراها، كانت بمثابة رادعٍ آخر أمام أي اعتقادات عسكرية أخرى باتجاه حماس والمقاومة بشكلٍ عام.
في صميم المقاومة والفلسطينيين بشكلٍ عام، فإن الاعتراف الإسرائيلي بالفشل، يُمثّل الانتقام الأوفى، وهو أشد إيلاماً للإسرائيليين من أي شيء آخر، لأنه سيعمل على تذكيرهم بمجموعات الأفشال السابقة، لا سيما وأن مجموعة أفشال عملية (الجرف الصامد) عام 2014، لا تزال قائمة، وبالتالي الاستنباط في حال تكرار الاعتداءات ضد المقاومة وعلى أي شكلٍ كان، بفرضية تلقّيهم المزيد من الدروس.
يمكن أن يتم في إسرائيل، من الآن فصاعداً - برغم السخونة الحاصلة- ضرورة العودة وبحرارة إلى حيّز الهدوء، حتى برغم معاوتها مساءً، بقصف القطاع بعدة صواريخ متفرقة، حيث تؤكّد مؤسستها الأمنية بعد دراسة موسّعة، بأن تلك الجولة قد وصلت إلى نهايتها، ومن ثم فلا يجب أن تؤثر على الإجراءات المتبقية التي تجريها مع حركة حماس بشأن تثبيت أوراق التهدئة، ومن ناحية أخرى تأتي رغبتها بإنهاء الجولة، هو خشية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أن تحاول حماس خلق معادلة صاعدة، ربما تكون مُفاجئة وغير مُعتادة من قبل.
خان يونس/فلسطين
12/11/2018
واقرأ أيضا:
واشنطن: فرصة للابتزاز ..! / الأمل الإسرائيلي يصدح في فضاء الخليج ! / حماس، ما بين التهدئة والمصالحة ! / عباس يتوعّد بسلاح معطوب !