علينا أن نترحم على سايكس وبيكو لأنهما قدما مشروعا معاصرا فيه طاقات وممكنات صيرورة عربية عظمى وذات تأثيرات عالمية كبرى، وكان مشروعهما نعمة فحوله العرب إلى نقمة، مثلما حوّلوا نعمة النفط إلى نقمة وبلاء عليهم أجمعين. قد يقول قائل ما هذا الكلام والأجيال أمضت القرن العشرين ناقمة على سايكس وبيكو وتحسب أن السبب الأساسي في تأخر العرب وتدمير حاضرهم ومستقبلهم كان ولا يزال بسبهما، والواقع يؤكد أن ذلك المشروع أو المعاهدة كانت فرصة العرب التأريخية للتحقق والانطلاق، لكنهم فشلوا في ولادة القادة التأريخيين القادرين على استشراف المستقبل والعمل المقتدر والصعود إلى العلاء.
وسيترحم العرب مرغمين على سايكس وبيكو بعد أن يدركوا أو يستوعبوا ويستفيقوا من الضلال والبهتان العاصف في ديارهم، وفقا لأجندات دينية بقيادة عمائم متنوعة الألوان والأوصاف والدرجات، والذي يهدف لتقسيمهم إلى دويلات عمائم ولحى وفئات وطوائف ومجاميع وكينونات ذات قابليات للتشطي والتمزق المتواصل.
فإذا أوجد سايكس وبيكو اثنين وعشرين دولة عربية، فإن التقسيم بالدين سيجعل منها مائة دولة ودولة وربما أكثر، لأن الدين صار الوسيلة الأجدر والأقوى للتقسيم بالدم، فسايكس وبيكو قسموا أرض العرب على الرمل وبالعصى، أما التقسيم بالدين فإنه تفاعل دموي متوحش ورهيب، تؤازره العمائم المفعول بها والمدجنة والمغررة، وما أسهل ترويض العمائم وتوظيفها لتحقيق ما هو مطلوب لخدمة المصالح الأجنبية وهي في سكرة الوهم بأنها تعرف.
التقسيم بالدين طامة كبرى وفاجعة مدوية عصفت وستعصف بقوة هائلة متنامية ومتراكمة مع الأيام، لأن الدم يتسبب بمتواليات انتقامية هندسية الطباع، مما يعني أن المقسم سيتقسم ويمضي في دوامة التقسيم حتى الوصول إلى العدم. ويبدو أن بعض الدول الإقليمية قد وعت هذا المشروع الجهنمي المروع وتقاربت وتفاعلت بإيجابية لردم مستنقع التقسيم بالدم، لكن العديد من الدول العربية لا تزال بلا إرادة سياسية حرة وقدرة على وعي حقيقة ما يدور في أراضيها ومجتمعاتها، وتظهر وكأنها في دوامة ردود الأفعال المطلوبة لتحقيق الهدف المرسوم، مما تسبب بمزيد من الصراعات الداخلية وفقدان الدولة لهيبتها وسيادتها ودورها الإيجابي في حياة المواطنين، بل ومساهمتها بتنفيذ المشروع الفجائعي الذي زلزل القيم والمعايير وانتهك حرمات الدين.
والعجيب بالأمر أن العمائم واللحى التي تمثل الدين هي التي تقود مشروع التدمير الفظيع للدين وبالدين، وكأنها منومة ومنقطعة عن الواقع الذي هي فيه، ولا يُعرف هل أن في رؤوسها عقل، أم أن العمامة هي العقل!!
فتنبهوا واستفيقوا يا أبناء أمةٍ تجهل عزتها وسيادتها وتناهض جوهر دينها وتستلطف الاستعباد والوعيد!!
واقرأ أيضاً:
الهذربة الفكرية!! / جوهر الحياة ومآلاتها!! / بيع الأوطان من الإيمان!! / الأشياء تلد أعداءها!! / سلّة الحماقات البشرية!!