منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أدركت الدول القوية التي خاضتها بأن التحارب فيما بينها لا يمكن القبول به أبدا، لأنه يعني الدمار الرهيب والمحق الخطير، لامتلاكها أسلحة فائقة التدمير والتحطيم، ولهذا ارتأت أن تكون حروبها في ديار الآخرين. ولأسباب لا تحصى أذعن العرب ووافق قادتها بتعاقبهم على أن تكون بلدانهم سوحا للحروب بالنيابة، فمضت مسيرة الحرب الباردة فوق الأرض العربية وتواصلت وسخنت وتأججت والتهبت، ودمرت بلدانا وقتلت أبرياءً وشردت الملايين من العرب، واستنزفت ثرواتهم ومواردهم وما هدأت، بل تعاظمت وتطورت وتوسعت.
وبعد سقوط أحد أركان الحرب الباردة انتقلت المنطقة العربية إلى مرحلة الحرب الدافئة التي انطلقت في بداية تسعينيات القرن العشرين ولا تزال مستمرة ومتوهجة، وقد تكللت بتدمير عدد من الدول العربية الرئيسية كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، وهي مندفعة بشراستها نحو دول عربية قوية ذات قيمة ودور في الواقع العربي والعالمي.
ويبدو من التقييم الموضوعي للتأريخ منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم، أن ما جرى في الواقع العربي كان ضمن أجندة الحرب الباردة، فتأسيس الأحزاب وتغيير الأنظمة وإقامة المشاريع والتحالفات كانت لخدمتها وتأمينها وتحقيق أهدافها. وقد ارتضى العرب استخدام دينهم ليكون أداة فاعلة في الحرب الباردة، وحصل ما حصل في أفغانستان وما قبلها وما بعدها، فكانت الأحزاب الدينية والنشاطات المتصلة بالدين تهدف إلى محاصرة المد الشيوعي وتحجيم دوره العالمي، ومنع الاتحاد السوفياتي آنذاك من بسط نفوذه في المنطقة العربية واقترابه من حقول النفط.
ولا تزال اللعبة على منوالها، والتفاعلات حامية وبأساليب معقدة ومتطورة، والمنطقة مشتعلة، والمثال القريب حرب اليمن، فهي حرب بالوكالة، وسوحها الأرض العربية وإمدادها الثروات العربية والضحايا هم العرب أنفسهم، والمستفيد منها شركات تصنيع الأسلحة، والدول التي تقبض على مصير العرب بقوة مطلقة.
فالعرب هم الذين اختاروا هذا الدور، وأسهموا بتدمير ذاتهم وموضوعهم، فعجزوا عن إقامة اتحادات عربية وإقليمية، وما فكروا بمصالحهم، وتظهر أنظمة حكمهم على أنها مصادرة الإرادة ومرهونة من قبل الدول القوية التي تستخدمها لتأكيد مصالحها وأهدافها. والمشكلة العجيبة أن العرب ضد مصالحهم، ويرزخون تحت أنظمة تؤمّن مصالح الطامعين ببلدانهم، وما تمكن العرب من إقامة نظام حكم وطني يحقق مصالحهم ويبني بلدانهم، وإنما تم برمجتهم ليكونوا من المتظلمين الشاكين الباكين والنائحين المندحرين التابعين المذعنين، والمتدحرجين والغائصين في حفر الغابرين، والناكرين لحاضرهم ومستقبلهم، والممعنين بالفتك ببعضهم وباسم النور الذي قلبوه إلى نار موجعة تكوي مضاجع وجودهم.
فهل فكر العرب بمصالحهم وتضامنوا من أجل حاضرهم ومستقبلهم؟!!
واقرأ أيضاً:
الهذربة الفكرية!! / جوهر الحياة ومآلاتها!! / بيع الأوطان من الإيمان!! / الأشياء تلد أعداءها!! / سلّة الحماقات البشرية!! / التقسيم بالدين!!