الأرقام على سطور الويلات تُشطب، والأوراق تتهاوى من أغصان الشجر، وجميعها ذات يومٍ كانت تُسمى بالبشر، فالأرقام تأكل أرقاما، والأغصان لا يعنيها تساقط الأوراق فإنها ستلدها في ربيع قادم، كما أنها لا تريدها لكي تقاوم رياح الشتاء فلا تنكسر، أي أن الأغصان ترفض أوراقها لكي تبقى وتتنامى، والأرقام تتماحى وهي تُطارد سراب البقاء، وتتنعم بوهم القوة والهيمنة والاقتدار، وما هي إلا تنتظر دورها لتكون فريسة لرقم جديد.
الأخبار تعج بالأرقام العربية الممحية، وأوراق أشجارها المتساقطة في جميع المواسم، ولا شيء قد حصل سوى أنها الأرقام والأوراق التي ستدوسها الأقدام وتغيب في غياهب النسيان والذوبان ببدن التراب.
الأرقام العربية بخسة ومملة وتتكرر برعونة في مواقع الأخبار، ولا أحد يأبه لقيمتها وكثرتها، فلا فرق ما بين المائة والألف والألفين، فجميعها أرقام لا معنى لها ولا قيمة ولا دور، بل إنها أصبحت ضارة ومن المنفعة البشرية العامة أن تُمحي، أما أرقام الدنيا فإن الواحد منها يعني أمة ووطنا وقيمة كبرى، وإن سقط الرقم سقطت معه رايات الحرية، ولهذا تهب الجماهير تطالب بحق الرقم الساقط من دوحة الحياة الإنسانية.
فلماذا تحول البشر العربي إلى رقم بلا قيمة ولا معنى ولا أثر، ومن الطبيعي والعادي، أن تتداوله الأخبار وكأنه رقم من الأرقام لا بشر فيه نبض إنسان؟!!
لماذا أيها العرب المكبّلون بالهوان؟!
أتعرفون ماذا سيحصل لو أن صينيا واحدا في أرجاء المعمورة مسّه ظلم، أو تم الاعتداء عليه، والتعامل معه على أنه رقم من الأرقام؟! إن الصين ستقيم الدنيا ولا تقعدها، وستحسب ذلك اعتداءً غاشما على سيادتها وكرامتها وعزتها، وتصغيرا لقيمتها ودورها المعاصر، وستتخذ الإجراءات المتناسبة مع الموقف. أما في بلادنا فالأرقام تمحى بالعشرات ولا من حيص ولا فيص، فالرقم يُقسم على بعضه ويُطرح من بعضه، ويُضرب ببعضه حتى الفناء، فلماذا يتساءل العرب عن موجات القتل الفظيع العاصفة بديارهم؟
إن انتفاء قيمة الإنسان العربي هي جوهر البلاء القائم، ولا يمكن العيش بحرية وكرامة وسعادة وبهجة وطنية إنسانية، إلا بالرجوع إلى قيمة الإنسان وتأكيدها والعمل على الحفاظ على حقوقها ومعاييرها وتضمينها في الدساتير والقوانين والمواثيق، ومن غير ذلك ستبقى نواعير الأرقام تدور، وأوراق الشجر تتساقط في جميع المواسم، والعالم يرنو إلى الواقع العربي ويحسبه متخلف متورط بالجنون والفساد والمجون!!
فهل من غيرة على قيمة الإنسان يا عرب؟!!
واقرأ أيضاً:
الغِنى بالسرقة مَهلكة!! / الرأس المخلوع!! / الدين بين اللسان والقلب والسلوك!! / ومن العرب أبواق آكليهم!! / الرأي رأيهم؟!! / عجائب الاعتقاد!!