من السلوكيات المسكوت عنها في الواقع العربي، أن الذين يجلسون على كراسي المسؤولية في الدول العربية، من أصغر كرسي إلى أكبرها، لا يجيدون التكلم باللغة العربية، ويقدمون أنفسهم على أنهم يتكلمون بلغة غريبة عنهم وكأنها ليست بلغتهم.
وهذه ظاهرة مرعبة تشير إلى التردي الحضاري وعدم احترام الهوية، ونكران العربية وربما السخرية منها والتمنطق بلغة ذات خطلٍ بليغ. فمعظم المسؤولين العرب لا يجيدون فن الخطابة، ولا يعرفون أساسيات اللغة التي يتكلمون بها، فهم يرفعون المنصوب ويجرون المرفوع وينصبون المجرور، ولا يعرفون كيف يأتون بعبارة تامة ذات قيمة فكرية ومعرفية وتأثير في العقول والنفوس. وكأنهم يغفلون بأنهم يخاطبون بشرا لغته الأم هي العربية، وعليهم أن يساهموا في تحبيبها إليه وإظهارها بما تستحقه من جودة في النطق والتعبير.
وهذا لا يحصل في دول الدنيا، فلو أن مسؤولا أخطأ في التعبير بلغته عما يريد، لوجدت الإعلام قد انتقده بشدة واعتبر ذلك اعتداءً على الهوية الوطنية، وتقليل من شأن وقيمة اللغة التي يتكلم بها الناس. فخطابات المسؤولين في الدنيا تمثل البلاغة بأعلى صورها والتعبير الأفصح والأتم، ولهذا تجد الكثير منها تدرس في المدارس كأمثلة على فنون البلاغة وجزالة التعبير باللغة.
أما في مجتمعاتنا فإن المسؤولين يتكلمون اللغة العربية الفصحى بخطل عجيب، والناس تصفق وتهلل، ولا مَن ينتقد ما جاء بالكلمة من أخطاء في النطق والتعبير والنحو والقواعد. ولن تجد مسؤولا عربيا واحدا يستطيع إلقاء كلمة بلا أخطاء، ويجيد النطق السليم بلغة الضاد!!
ويشذ عن ذلك ملوك الأردن، فالملك الحسين رحمه الله كان أفصح القادة، والملك عبدالله الثاني يتمتع بفصاحة تامة وبلاغة عالية، أما باقي القادة والمسؤولين فحدث ولا حرج!!
ولا يمكن فهم هذا السلوك الشاذ المنافي لأبسط مبادئ القيادة والمسؤولية، فلماذا لا يتعلمون من أخطائهم، ولماذا لا يقوِّمون ألسنتهم؟
إنهم بهذا السلوك يعتدون على اللغة العربية، وعليهم أن يتعلموا الكلام المنضبط نحويا، وأراهم سيغضبون من هذا الكلام، وهم الذين يدّعون بأنهم يقرأون القرآن، فهل مَن يقرأ القرآن يتكلم باضطراب بلغة الفرقان البليغ العربي المبين!!
ترى لماذا يتعثرون بالكلمات، وكيف ينطقون يساوي كيف يفكرون؟!!
واقرأ أيضاً:
مجتمعات لماذا وكيف!! / المعرفة بين الإنتاج والاستيراد!! / مرايا مسيرتنا خلفية وجانبية!! / الآن فهمت!! / البزنزية المعاصرة!!