واقعة كورونا كشفت النقاب عن الاحتكار الصناعي، وتبين أن العالم بأسره يستهلك ما تنتجه الصين، وأنه في زمن الشدائد الكبيرة يجد نفسه في محنة كأداء لا يمكنه التفاعل معها من غير ما تنتجه الصين. فالدول الصناعية ومنذ أكثر من نصف قرن تخلت عن الصناعات الخفيفة بأنواعها واتجهت نحو الصناعات الثقيلة والمعقدة وخصوصاً العسكرية منها، وأهملت تصنيع الحاجات البسيطة اللازمة للعيش بسبب ضعف مجال الربحية والجدوى.
وتمكنت الصين بنظامها المشابه لنظام خلية النحل أن توظف طاقات بشرها الذي تجاوز المليار والنصف وجعلت منه الآلة الإنتاجية الكبرى في الأرض. فأي شيء تريده يمكنك تصنيعه في الصين بأبخس الأثمان، مما تسبب بتضرر الصناعات الوطنية في معظم الدول، وتحولت إلى مستوردة لما تريده من الصين.
وبعد واقعة كورونا، على الدول الصناعية أن تعيد النظر بسياساتها وترى بعيون العدل وتحاول تحقيق موازنة صناعية ما بين الدول، بمعنى أن يتم توزيع الصناعات الخفيفة على الدول كافة وفقاً لما تمتلكه من طاقات وقدرات. ولا يمكن للعالم أن يقبل باحتكار الصناعات من قبل دولة واحدة تستطيع أن تتحكم بمصير العالم وتمسك أقوى الدول من عنقها، وهذا ما اتضح بعد عجز أقوى الدول عن توفير مستلزمات الوقاية من الوباء لطواقمها الطبية ومواطنيها، واتجهت نحو الصين تطلب منها الغوث والعون المديد.
وعليه فإن الدول المستهلكة يجب أن تفكر بالإنتاج والتصنيع، وأن تكون قادرة على إطعام مواطنيها وتصنيع ما تحتاجه من مستلزمات وبضائع لازمة لتأمين استقرارها وتنمية قدراتها على مواجهة التحديات المحدقة بأجيالها. فالمطلوب أن تبدأ الدول الفقيرة بالعمل على تعلم التصنيع والتفكير بالإنتاج، وأن تحسب الاستهلاك عاهة حضارية مرفوضة على المجتمعات أن تتحرر منها، وتكتسب مهارات التعبير عن طاقاتها الابتكارية، وإنتاج ما يؤمّن كرامتها وسيادتها وقدرتها على التحرر من استعباد الدول الصناعية الاحتكارية.
فهل لنا أن نصنع؟
وهل للعالم أن يعي ضرورة العدالة الصناعية؟!!
واقرأ أيضاً:
كورونا ورأيتُ المنايا!! / الحرب العالمية المزمنة!! / كورونا وأسباب المنايا!!