العالم أمام مواجهة مصيرية غير مسبوقة تسببت بها الثورة الصناعية التي وصلت إلى ذروتها في هذا العصر، وبرزت دول تمكنت من احتكار التصنيع والهيمنة على الأرض بصناعاتها، وها هي الدول القوية تقف واجمة متحيرة مأزومة وهي غير قادرة على توفير الحاجات البسيطة التي تحميها من الوباء.
وتحتكر الصين هذه الصناعات وتعتمد الدول عليها وتتوسل إليها بتزويدها بحاجاتها من المستلزمات الوقائية التي تنتجها مصانعها بأعداد مليونية. وهذا الحال لا يمكنه أن يستمر لما يترتب عليه من مخاطر وتفاعلات تنافسية عدوانية ضارة بالوجود البشري، مما يتطلب إعادة النظر بآليات التصنيع وتوزيع الصناعات على دول الدنيا كافة وفقاً لقدراتها وما تمتلكه من طاقات ومصادر وإمكانات أخرى.
فلا يجوز للدول الصناعية أن تتنازل عن الصناعات الخفيفة وتتركها للصين التي لا تفرط بأي نوع من التصنيع وتتجاهل الدول الفقيرة والمتأخرة في العالم التي لا يجد الناس فيها عملاً، أي أن تجعل العالم منقسم إلى دول قليلة مصنعة ودول كثيرة مستهلكة. بينما التوازن والعدالة الصناعية تستوجب أن تكون جميع الدول مستهلكة ومصنعة، فهذه صناعاتها ثقيلة وتلك خفيفة وأخرى تجمعهما، وبهذا يتحقق التكافل والتعاون الدولي الساعي للوصول إلى السعادة البشرية.
أي أن مفهوم الدول المستهلكة والدول المصنعة عليه أن ينتهي، وأن يتحقق التداخل في الدولة الواحدة ما بين الاستهلاك والتصنيع، وعندها تكون المجتمعات البشرية في وئام واعتماد على بعضها البعض بدلاً من الهيمنة والارتهان بهذه القوة أو تلك لأنها مستهلكة وبلا قدرة للتأثير الفعال على غيرها.
وبمعنى آخر: على الدول أن تتحرر من إرادة الغاب وقوانينها، وأن ترتقي إلى معايير الوجود الإنساني الرحيم الذي يحترم المكان والزمان والحيوان والإنسان.
فهل للبشرية أن تتعظ من صولة الكورونا التي وضعت المصير البشري على المحك؟!!
واقرأ أيضاً:
المناخ وما أناخ!! / الدمار والخوار