عيد سنة ألفين وعشرين يختلف تماماً عن أي عيدٍ، فهو عيد كورونا المطلق الذي ألزم الناس بيوتهم وفرض عليهم دخول مساكنهم وإلا سيجتاحهم الوباء العارم ويأكل منهم ما يشتهيه.
عيد كورونا وضع البشرية أمام ذاتها، وأخرجها من دائرة النزق التي كانت تسكر فيها، وفرض عليها أن تجالس نفسها وتبصر حقيقة الحياة ومعانيها وما يدور في أعماقها وماهية جوهرها.
عيد كورونا جعل الناس تبتعد عن بعضها وتخشى الزيارة والاحتفاء بالعيد في البيوت والجوامع والفنادق وغيرها من أماكن الاحتفال والاجتماع، لأن الكورونا سيندس بين الحاضرين ويصيبهم بدائه الوخيم.
عيد كورونا يقظة بشرية ما بعدها يقظة، وزعزعة إدراكية وهزة وعيوية عنيفة كأنها الإعصار الذي يداهم الأشجار فيجردها من أوراقها ويلقي ببعضها أرضاً.
عيد كورونا تمكن منّا فعزلنا وأجبرنا على التعايش مع وحدتنا والتباعد عن بعضنا والتفاعل عن بعد لكي نحافظ على حياتنا، وجعلنا نتيقن بأن المخلوق يواجه مصيره لوحده فلا ينفعه مال ولا بنون ولا أي وهم من أوهام سكرة الدنيا.
عيد كورونا لديه عيون ميدوزية تحدّق في الموجودات التي لا تزال غير قادرة على كظم ما فيها من نوازع البغضاء والشرور، وما أن تلمحها حتى تحيلها إلى عصف مأكول وترمي بها في غياهب أسرَّة العناية المركزة لتلقى حتفها بعد حين مرير.
عيد كورونا علينا أن نوظفه لاستكشاف طبقات وعينا، وفضاءات مداركنا، ومدارات عقولنا فنتبصر ونتحذر ونعمل على تعبيد سبل نجاتنا من قبضة العدم ومن الأسر في متاهات الرغبات والنزعات الدونية التي سحقت الإنسانية.
عيد كورونا يعلمنا المعنى الحقيقي للعيد ويبعدنا عن الهشاشة والسذاجة والغباوة السلوكية التي أدْمَنّا عليها وتوارثناها جيلاً بعد جيل فأرانا قيمة التفاعل الإيجابي الرحيم وأن نكون أخوة، فالتراب أبونا وأمّنا، وكل مخلوق سواء بعرف كورونا الذي يتحدّى مَن يرى أنه في مَنعة وأمان من صولاته العِظام.
عيد كورونا أجبرنا على التنافر والابتعاد ليُشعرنا بقيمة التفاعل والاقتراب الذي وشّحناه بالدموع ومضينا في النيل من بعضنا بقيادة أبالسة ما فينا من أمّارات السوء والكراهية والعدوان وحب سفك الدماء.
عيد كورونا يخبرنا أن الحياة رحمة ومحبة وألفة وأخوة، فالمصير واحد وقافلة الأحياء يصعد إليها الكثيرون وينزل منها الكثيرون، وهي تسير على ظهر سيارةٍ تدور.
فهل سنتعلم معاني العيد السعيد؟!!
واقرأ أيضاً:
الرمز وما يرمز إليه!! / الغِلوائية!! / هل الأمة مصابة بوعيها؟