من عجائب الزمن المعاصر أن أصبح الحديث عن الموت في الدول المتقدمة أمراً عادياً، فكل يوم تنبؤنا الإحصاءات عدد الوفيات فيها. فماذا يجري في العالم الذي تطاول وتمادى في الطغيان؟
كيف لدول كانت إذا مات بضعة أشخاص من مواطنيها تقيم الدنيا ولا تقعدها، واليوم تقف في حيرة والموت يحصد الآلاف رغم قدراتها العلمية والتقنية؟!
فالكورونا لا يميز بين الناس ولا يعنيه إذا رقدت ضحيته في أرقى المستشفيات. الكورونا إذا أراد فعل ولن تثنيه عن هدفه أيّة قوة مهما توهمت القدرة والكفاءة. فالفايروس يستطيع أن يدمر إمبراطوريات، فلماذا أغفله ابن خلدون وما أشار إلى دور الأوبئة في سقوط القوى والدول وصناعة التاريخ.
والأوبئة هي الصانع الحقيقي للتاريخ لكنهم يغفلونها وينحشرون في زوايا الصراعات البشرية_البشرية، ويتجاهلون صراعات هائلة تخوضها البشرية مع قوى طبيعية خفية وهيجانات أرضية وفيضانات وأمطار شديدة وعواصف وأعاصير ونوبات بركانية وهجمات مائية توسونامية وغيرها الكثير.
فالمؤرخون لا يكتبون عن هذه الأخطار ويبلدون أحاسيس الأجيال، ويسجنونهم في أروقة البطولات الفردية والانتصارات الدموية الفتاكة.
والموت سيّدٌ وسلطان وقوة تعصف في الحياة وتحيل كل مخلوق إلى ركام، فالموت حق والمصير الذي لا مفر منه مهما حاول الحيّ الهرب.
ومن الصعب أن تقنع جيلاً لا يعترف بالموت ويتمسك بالحياة كأنه الخالد فيها بأن الموت لواقعٌ وأنه قد يأتي بغتةً ويخطف الأرواح بالجملة والمفرد، وأن الوباء إذا حل يحصد الآلاف في بضعة أيام.
هذا الجيل لا يصدق، ولا يريد أن يصدق، وعليه أن يمضي في ممارسة الحياة كما يرغب ويرى، ولا يمكن لما لا يُرى أن يستعبده ويقضي على ما يرى.
فلا يزال الأطباء يتعرضون للعدوان اللفظي من قبل ذوي المصابين بالوباء عندما يخبرونهم بأن أحد ذويهم سيموت أو أنه قد مات، فالموت نكرة في عرف المجتمعات التي تحسب أنها متقدمة ولا ترى غير وجه الحياة الممتعة اللذيذة التي عليها أن تطفئ في حياضها جذوة تطلعاتها المتأججة.
فهل تغيّرت الدنيا واستيقظ جيل لا يعرف للموت معنى؟!!
واقرأ أيضاً:
الشعوب الأقوى!! / التفاؤل الخجول!! / مجلس الأمن وأمة المحن!!
التعليق: السلام عليكم ورحمة الله
سلمت أناملكم على ما تكتبون، وجزاكم الله خيرًا
لفت نظري عبارة: "فالمؤرخون لا يكتبون عن هذه الأخطار ويبلدون أحاسيس الأجيال، ويسجنونهم في أروقة البطولات الفردية والانتصارات الدموية الفتاكة".
والذي أراه -والله أعلم- أن هذه الأخطار كانت في مفهوم المسلمين، إما تنبيهات إلهية لمن يعقل، أو عقوبات لمن لا يعقل ولا يرتدع، والله أعلم بعباده، وهو المتصرف في الزمن والمكان الذي يريد ومع الأقوام الذين يريد، وليس لنا حق في التدخل، إنما أتكلم عن قانون رباني،