مفهوم الوعاء في علم النفس والطب النفسي كثير الاستعمال. هذه المقالة تستهدف توضيح هذا المفهوم واستعماله في الصحة النفسية الاجتماعي.
مفهوم الوعاء
مصدر الاستعمال الشائع لمفهوم الوعاء في الصحة النفسية الاجتماعية هو العلاج الجمعي في منتصف القرن العشرين. الإنسان بحاجة دوماً الى التواصل مع الآخرين والحديث معهم ومشاركتهم مشاعره وقلة حيلته في مواجهة التحديات التي تعصف به. العلاج الجمعي يستند على تشكيل مجموعة من المراجعين عددهم بين ستة إلى ثمانية يجتمعون أسبوعيا أو أكثر لمدة ساعة أو أكثر. تصبح المجموعة الوعاء الذي يحتوي الإنسان وتحميه من الانصهار النفسي والاجتماعي.
الصداقات علاج جمعي وهذا يفسر حرص البعض على التواصل مع الأصحاب بصورة منتظمة لأنهم يمارسون في الحقيقة علاجاً جمعيا ويستوعبون المجموعة لا شعورياً بأنها الوعاء الذي يستوعب همومهم ومشاكلهم وأسرارهم.
هناك قول مأثور في جميع الحضارات والثقافات وهو أنك لا تختار الأهل ولكن تختار الأصدقاء. تبدأ الصداقة في أعوام الطفولة ويتعلم الإنسان اُسلوب التفاعل مع الآخرين. يتعلم الإنسان تبادل وجهات النظر وكيف يتفق وكيف يختلف مع الآخرين. يتعلم الإنسان تبادل استيعاب مزاج الآخرين والحديث مع أقرانه ويتم بناء أساس الصداقة مع عمر مبكر.
لكن الإنسان لا يحتاج دوماً إلى وعاء مجموعة٫ وهناك من له الصديق المقرب منه أكثر من غيره من الأصدقاء. هذه الصداقة أحياناً أشد قوة من صداقة المجموعات والوعاء الناتج منها أكثر صلابة وأقل عرضة للكسر.
الصداقة والاكتئاب
المعروف عن الصداقة وفي جميع مراحل الحياة هو مشاركة الآخرين في السراء والضراء. الصداقة عملية وقائية ضد الاكتئاب إلى حد ما ولكنها بالتأكيد عملية وقاية ضد فشل العلاج. ينسحب الإنسان من الأصدقاء حين يقع في فخ الاكتئاب ولكن الصداقات الأصيلة تدفع الأصحاب إلى التواصل معه وتشجيعه على المضي قدماً في رحلة الشفاء. أما الإنسان الذي يعاني من عزلة وانطوائية فرحلة شفائه طويلة واحتمال انتكاسه أعلى بكثير.
وعاء الزوجية مقابل وعاء الصداقة
لكن حاجة الإنسان إلى وعاء الصداقة قد لا يلبي جميع احتياجاته الناقصة في الحياة ولا مفر من البحث عن علاقة حميمية يشعر فيها بالاستقرار والقدرة على مواجهة تحديات الحياة ومن هنا يأتي سعي الإنسان إلى البحث عن شريك حياته. تتحول هذه العلاقة الحميمية أحياناً إلى الوعاء الذي يحتوي الإنسان وعقده وأزماته.
عملية استبدال وعاء الجماعة والصداقة بوعاء الزوجية عملية سريعة أحياناً أو بطيئة جداً٫ وقد يكون مصيرها الفشل أو النجاح. هناك من الناس من يحافظ على الوعاء الجمعي والوعاء الزوجي وهناك من يكتفي بوعاء واحد فقط.
الحديث في هذا المجال عن الوعاء الجمعي مقابل الوعاء الزوجي لا علاقة له باستمرار علاقة الإنسان بأصحابه فهذه ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها كلياً٫ لكن هناك منهم من تستمر علاقته بالمجموعة وتستمر على نفس نمطها السابق بل وأحياناً تصبح أقوى من قبل حين يشعر الإنسان بأن الوعاء الحميمي لا يستطيع استيعابه كليا ويفشل في سد احتياجاته واستيعاب أزماته وحل عقده. أما الإنسان الذي يشعر بأن وعاء الزوجية هو الوعاء المناسب له فإن حضوره لاجتماعات المجموعة قد ينخفض بصورة ملحوظة وتدريجية ولكنه نادراً ما يستغني عنه كلياً.
ولكن التنافس بين وعاء الزوجية ووعاء الأصدقاء قد يؤدي إلى أزمات زوجية أحياناً حين يشعر الزوج أو الزوجة بأن زوجه أكثر اتصالاً وحديثا مع أصدقائه. هذا الإحساس بالتنافس كثير الملاحظة في علاج الأزواج ويصل الذروة حين يطلب أحد الطرفين استغناء الزوج عن وعاء أصدقائه كلياً. حين ذاك ينتبه المعالج إلى أن هناك أزمة في العلاقة الزوجية لا بد من تجاوزها ولكن الحل هو ليس استغناء أحد الطرفين عن أصدقائه فهذا مصيره الفشل.
واقرأ أيضاً:
اضطراب الاكتناز والوسواس القهري / الصحة العقلية وكورونا