بالأمس مساء قرأت على مرسال الفيس رسالة من الزميل العراقي أ.د سعدون أحمد الجبوري Saadoun Ahmed أستاذ الطب النفسي بجامعة كركوك يقول كان أرسلها بتاريخ 31 أغسطس 2020 : السلام عليكم، نسيت أن أخبرك، قبل أسبوع انتقل إلى رحمة الله الشاعر الدكتور خليل إبراهيم عليوي أبو إبراهيم استشاري الطب النفسي، بعد أن عانى ولفترة طويلة من العجز الكلوي وأخيرا أصيب بجائحة كورونا، الرحمة والغفران على روحه الطاهرة والصبر والسلوان لذويه ولنا جميعا.
أ.د سعدون الجبوري
رحمك الله يا دكتور خليل المستشار النفساني والشاعر .... وتداعت ذكريات كثيرة عن الفقيد حول نقاط التقائي به لحما ودما ناهيكم عما دار على النت من إرسال استشارات وتلقي إجابات، في دمشق أغسطس 2008 كان لقاؤنا لقيته أثناء الغذاء في ثاني أيام المؤتمر كان واضح النشاط والجدية بسيطا مبتهجا مبهجا ... تبادلنا بطاقات التعريف واتفقنا أن يساعدني في مجانين وبالفعل... تواصلنا بعد عودتي لمصر وظهرت أولى ردوده على استشارات مجانين في أول ديسمبر 2008 بعنوان : حديث مع النفس أم وسواس قهري؟ لكن سبقتها إبداعاته الشعرية وظهرت قصيدته أدواء مريض ذهاني في نفس شهر لقائنا.، وله الآن على مجانين 56 استشارة قام بالرد عليها، وله 35 قصيدة شعرية منشورة.، وهو رابع مستشار يفقده موقع مجانين.
بعد هذه المرة بحوالي السنة كنت بدأت رحلات عمل قصيرة 3 أيام في المستشفى السعودي الألماني بصنعاء ضيفا على أ.د نبيل نعمان وكان رئيس القسم هناك في ذلك الوقت وفي الزيارة الأولى لي هناك أذكر أني في نهاية يوم عملي الثاني وكان آخر مرضاي قد قال أنه مريض د. خليل أبراهيم وقد حوله لي لأنه مريض وسواس قهري قديم ولم أفهم وقتها مقصده باعتبار د. خليل إبراهيم في العراق ونحن في اليمن ! ... لكنني عند خروجي فوجئت به منتظرا حتى انتهيت من عملي ليأخذني إلى بيته وأذكر أني اعتذرت لأني كنت مرتبطا بالخروج للعشاء مع صديق مصري هو د. أحمد جويفل ..... فقال لي إذن نقعد معا قليلا هذه المرة على وعد بأن تسمح لي بالاحتفاء بك في زيارتك القادمة لليمن وبالفعل اتفقنا على ذلك.... وحكى لي كيف أنه حين اضطر لترك العراق اختار اليمن حيث يعمل كطبيب نفساني حر وأعطاني ديوان شعر صغير... نشرت كل ما فيه ضمن إبدعات مجانين الأدبية.
وفي زيارتي الثانية لصنعاء أواخر سنة 2010 اتفقنا عبر التواصل الإليكتروني على العشاء في بيته ثاني أيام وصولي وبالفعل أرسل لي صهره على المستشفى ليأخذني برباعية الدفع إلى منطقة بدا أنها من أرقى مناطق صنعاء حيث يسكن رحمة الله عليه، وفي الطريق سمعت صهره وهو يقول لسائل أعطاه ادع لصاحب المال بالشفاء فسألته تقصد د. خليل ؟؟ وعرفت ساعتها أنه مريض ويبدو أن صهره اتبر كوني طبيبا من زملائه مغنيا عن أي تفاصيل عن المرض الذي لم أعرفه إلا في راسلة الزميل سعدون الجبوري أعلاه.... عندما سألته هو عن حالته الصحية قال لي أنه الآن أفضل ومنذ أسبوع كان متورم الجسد من الكرتيزول.....
كان العشاء فخما والطعام قريبا من الطعام المصري وكان حاضرا غيري واحد فقط من المدعوين فقد دعا د. خليل يرحمه الله عددا من الزملاء لكن أسبابا منها التخزين منعتهم وفقط حضرنا أ.د عبد الحافظ الخامري (إن لم تخني الذاكرة).... تكلمنا كثيرا وحكى لي عن كثير من آلامه هو وأسرته وزملاؤه وما لاقوه على يد قوات الغزو الأمريكي وهو من مواليد الفالوجة ومما يحكي عندما داهمت القوات الأمريكية الجامعة بأقسامها وكيف حين طالب أحد الجنود باحترام أنه في مؤسسة تعليمية طبية مسالمة فوجئ به يتبرز على المكتب ! أي فئة حقيرة من الجنود يمثلهم من يفعل هذا الفعل؟ .... وحكى غير ذلك وليس خفيا ما فعل أهل الفالوجة بالأمريكان وما فعل الأمريكان بهم بوجه عام.... تركته وقد ازددت إحاطة بمعاناة أهلنا في العراق، وكنا في مصر ما نزال نحمل هموم الركود والتوريث فقد كانت أواخر سنة 2010، وها هي الصورة كما علقت عليها على الفيس بوك عند نشري لها (سنة 2017) : (في منزل الزميل العراقي الفاضل أ.د إبراهيم خليل الحلبوسي على مأدبة العشاء في صنعاء باليمن السعيد أواخر سنة 2010 ... أسأل الله أن يكون صديقي الذي أوحشني بخير حال... وأن يعود اليمن سعيدا كما كان.)
ثم التقيت به لقاء عابرا أثناء مؤتمر اتحاد الأطباء النفسانيين العرب الذي انعقد في النصف الأول من شهر ديسمبر 2010 جاء من اليمن إلى السودان وقد تحسن صحيا كما بدا لي وكانت معي زوجتي فكان لقاؤنا واحدا بجوار عارضات شركة عقاقير هندية، وفي اليوم التالي من المؤتمر لم ألتقِ به ولم أكن أعرف أين ينزل في الخرطوم ؟ لكن نشاطه الواضح لفت نظري تلك المرة أيضًا.، بعد هذه المرة لم نلتق وسمعت أكثر من مرة بتعرضه لوعكات صحية بعضها عرفته عن طريق الفيس وبعضها من الزملاء.
اللقاء أعلاه كان الأخير على أرض السودان ... لقيته في سوريا وأولمني على العشاء في بيته في اليمن ثم رأيته في لقاء سريع في الخرطوم لم أتوقع أبدًا أنه الأخير... عرفت بعد ذلك أنه عاد إلى العراق .... وتواصلنا هاتفيا مرات كان غالبا هو المبادر فقط ليسأل عن الأحوال ويتواصل رحمة الله عليه كان سباقا للخير، وعرفت بعد ذلك أنه –غالبا أثناء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية- سافر إلى تركيا أو ربما شمال العراق.
ثم في فترة بعد انحسار الرعيب العربي وغالبا أثناء الانقضاض على تنظيم الدولة افتقدت التواصل الإليكتروني والهاتفي معه فلم يكن يرد أو الهاتف مغلق ... أذكر أنني سألت سداد جواد التميمي عنه فقال لا أعرف آخر عهدي به أثناء حفلة التخرج من البورد العربي في العلوم العصبية فأرسلت غالبا عبر شبكة العلوم النفسية العربية أو إلى جمال تركي وإن كنت أظنه نشر الرسالة التي كنت أعبر فيها عن افتقادي لهذا الزميل ... وبعدها جاء ما يطمئنني أنه في تركيا ... وهي معلومة أكدتها بعد ذلك غالبا من أ.د مها يونس أستاذ الطب النفسي العراقية....
حدث بعد ذلك بفترة تواصل بيننا عبر مرسال الفيس والذي فوجئت أن اسمه فيه خليل الحلبوسي Khalil Alhalbusi وأنقل لكم آخر ما دار بيننا من محادثات
أرسلت بتاريخ 19 يناير 2018 أقول:
السلام عليكم، أوحشتني كثيرا أرجو أن تكون بخير
أجاب في اليوم الثالث
تسلم حبيبي د. وائل، الحمد لله بخير الآن على الديلزة ثلاث مرات أسبوعيا
فرددت عليه :
ربنا يعافيك ويشفيكم شفاء لا يغادر سقما
فأجاب : اللهم آمين
ثم في 29 أبريل 2018 أرسل يقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قبل يومين بالقاهرة وحاولت أتصل بك ولكن التلفون مغلق أو ما يرد
(ويبدو أنه كان في مهمة غير علمية فلم يحضر مؤتمر اتحاد الأطباء النفسانيين العرب الجاري بالقاهرة)
ورددت عليه :
حبيبي..... ومن يومين كنت أنا بالقاهرة وكانت دكتورة مها يونس أيضًا بالقاهرة .... ليس لنا حظ رؤياك يا جميل وألف حمد على سلامتك
ثم كان آخر ما أرسل على مرسال الفيس قصيدته : قصتي مع الطب بتاريخ 27 مايو 2018
ورددت عليه : كل سنة وإنت طيب يا د. خليل يا جميل وعقبال ألف سنة صحة وسعادة وهنا
ومثلما كانت لقاءاتنا خاطفة ربما سيكتشف المتأمل لتواريخ مشاركات د. خليل إبراهيم عليوي في الموقع سواء في قسم الاستشارات أو قسم إبداعات أدبية أن فترات مشاركاته كانت كذلك كأنها الفلاشات بين الحين والآخر فإن وجدت تكتلا وتقاربا لتواريخ بعضها فسيكون ذلك في الإبداعات التي احتواها الديوان الذي أهداه لي في اليمن.
وبينما أنا أرفع هذا المقال جائني من الزميل سعدون الجبوري متحدثا عن الفقيد هذا النص : (حيث جرت صلاة الغائب عليه في بلدان عربية وإسلامية منها الإمارات وقطر وعُمان واليمن وآخرها في إندونوسيا، تقديرا لما قدمه من خدمات طبية لجامعاتهم)، المرحوم الدكتور خليل ابراهيم الحلبوسي الذي وافاه الأجل يوم الأربعاء في مدينة الفلوجة. وقرأت على صفحة عبد الحافظ الخامري من منشور بتاريخ 26 أغسطس 2020 قوله مخاطبا الفقيد ماذا بينك وبين الله... لكي تحزن عليك قلوب أهل الفلوجة... في يوم وفاتك... رحمك الله يا دكتور خليل...
واقرأ أيضًا:
بكاء الرجال / الأطروني، طارق أسعد، منير فوزي البقاء لله