ما هو الابتزاز العاطفي ؟:
تعرف أنك وقعت فريسة للابتزاز العاطفي حين يستخدم شخص قريب منك الخوف والإلزام والشعور بالذنب لديك للتلاعب بك أو السيطرة عليك أو تحقيق احتياجاته المادية أو المعنوية من خلالك، فلا يبتزك عاطفيا إلا شخص قريب منك جدا، شخص يعرف الكثير عن تفاصيل حياتك، ويدرك نقاط ضعفك الذاتية ونقاط ضعفك تجاهه، يعرف أنك لاتحتمل إيذاءه، وأنك تشعر بالذنب تجاهه، وبالتالي يجعلك في وضع المضطر والمجبر رغم أنفك أن تحقق له ما يريد، وهو شخص كثير الشكوى والتذمر، يظهر ضعفه ليستدر عطفك، ويضعك تحت ضغط الشعور بالذنب والتقصير تجاهه، فإذا ضعفت أو استسلمت قام هو باستغلال ذلك لتحقيق مراداته. قد يبدي خضوعا أو وداعة أو استسلاما أو ضعفا في بعض مراحل العلاقة حتى تقع تحت قبضته فيمارس التسول العاطفي ولكن بطريقة ملتوية.
إذن فالابتزاز العاطفي "هو أحد أشكال التلاعب النفسي - ويحدث خلاله استخدام منظومة من التهديدات وأنواع مختلفة من العقاب يوقعها شخص ما على آخر قريب منه في محاولة للسيطرة على سلوكه". ويتضمن الابتزاز العاطفي عادة.. شخصين تجمع بينهما علاقة شخصية قوية، أو علاقة حميمية (الأم والابنة، والزوج والزوجة، والشقيقتين، الأصدقاء المقربين، العاشقين). وعند التعرض للابتزاز العاطفي "يصبح الشخص رهينة عاطفية للآخر". فالأمر يحدث هكذا: "إذا لم تفعل لي كذا، فأنت المسؤول عن ما يحدث لي". وهو موجود في النساء والرجال والأطفال، ولكن يغلب وجوده في النساء والأطفال والمراهقين، حيث أنه يمثل نوع من الضغط الناعم. ولهذا وضعت عالمة النفس الدكتوره سوزان فوروارد كتابا رائعا يصور الابتزاز العاطفي وكيف يتعافى منه المبتز ويحذر منه الضحية ولا يقع فريسة له.
حين تتعامل مع شخص يشعرك دائما بالذنب والتقصير في حقه ويجعلك تشعر أنك مذنب أو متهم وتحتاج دائما للدفاع عن نفسك أو تبرير سلوكك تجاهه فأنت تتعرض لنوع من الابتزاز العاطفي. والشخص الذي يمارس الابتزاز العاطفي يشعر بعدم الأمان ويخشى الهجر أو الحرمان العاطفي ممن حوله ولذلك يضعهم أو يضع أحدهم تحت ضغط الإحساس بالذنب والتقصير تجاهه لكي يتأكد من استمرار تقبلهم له أو رعايتهم إياه أو اهتمامهم به.
نماذج الابتزاز العاطفي :
ومن أقوال المبتزين عاطفيا المعتادة: "إنت اتغيرت كتير .. انت ماعنتش بتحبني زي زمان"، "بعد كل اللي عملته علشانك.. مش حاسس بي وبتتصرف بأنانية"، "أنا ضحيت بكل حاجة حلوة في حياتي .. وانتوا ماقدرتونيش"، "ماحدش فيكم فاهمني ولا حاسس بيا"، "أنا ماليش حد في الدنيا دي"، "انت عمرك ما وقفت جنبي وقت ما كنت باحتاجك"، "انت أناني ومابتفكرش غير في نفسك"، "انتوا كلكم بتكرهوني"، "أنا ماساويش عندكم أي حاجة"، " أنا مش عايز منكم أي حاجة"، "الغريب أحن عليا منكم"، " دا اللي عندو كلب ولا قطة بيعاملها بحنيه ورحمه"، "لو كنت بتحبني ماكنتش تسيب أهلك يعملوا فيا كده"، لو كنتوا بتحبوني كنتم جبتوا لي الموبايل اللي انا عايزه"، "ما هو أنا ابن البطة السودا"، "يارب أموت علشان ترتاحوا مني"، "انتوا مابتحبونيش" "مفيش حد مهتم بيا"، "مفيش حد حاسس بيا"، "انت عمرك مافهمتني"، "انت مهملني على طول"، وغيرها من العبارات التي تعكس رغبة في التسول العاطفي من شخص بعينه، أو من الأسرة أو من الأصدقاء. ولا يتوقف الابتزاز العاطفي عند الكلمات بل هناك أفعال تكمله مثل محاولات الإنتحار المعلنة، والهروب من البيت، وإيذاء الذات بأي شكل، والتوقف عن تناول الطعام أو الشراب، ورفض تناول الدواء، وإهمال الشخص لنفسه، ورفض المصروف، ورفض الذهاب للتنزهات والفسح، والتمارض بكل أنواعه.
وكثير من إعلانات الجمعيات الخيرية والمستشفيات المجانية تمارس هذا النوع من اللعب على مشاعر الناس حيث يعرضون صورا لأطفال مرضى أو كبار سن عاجزين أو مرضى مزمنين لاستدرار عطف الناس ودفعهم للتبرعات السخية. والمتسولون في الشوارع يبتزون الناس عاطفيا حين يقفون لهم أمام المطاعم الفخمة والمحلات الراقية يسألونهم مالا أو يشيرون بأيديهم إلى أفواههم إشارة إلى حاجتهم للطعام، فيضغطون على مشاعر الناس الذين أنفقوا لتوهم أموالا في المطعم أو المحل.
تأثير الابتزاز العاطفي على العلاقات بين الناس :
يحدث الابتزاز كما قلنا في العلاقات القريبة بين البشر، ولكن هذه العلاقات تتأثر سلبا بالابتزاز، وقد تنتهي تلك العلاقات اذا ما انتهت المصلحة المادية أو المعنوية منها، إضافة الى أن الابتزاز العاطفي يخلق لدى الآخر شعورا بالذنب على خطأ لم يرتكبه فلا يكون سعيدا أو مرتاحا ويمكن أن يتأثر نفسيا بسبب الضغط الكبير عليه، وكثير من العلاقات انتهت بسبب هذا الابتزاز العاطفي حين يكتشف الضحية أنه تعرض لخداع كبير باسم الحب أو الصداقة أو القرابة أو الشفقة.
ماهي طبيعة المبتزين عاطفيا ؟ :
يستخدم المبتز العاطفي الخوف، والالتزام والشعور بالذنب في علاقاته، متأكدًا من أن الضحية تشعر بالخوف من إغضابه، والالتزام تجاهه بتوفير كل ما يلزمه، والشعور بالذنب إن لم يفعل. وابتكرت فوروارد وفريزر الاختصار FOG ويعني "ضبابًا" ويشير إلى الخوف Fear والالتزام Obligation والشعور بالذنب Guilt والذي دائمًا ما ينتج عن التعرض للابتزاز العاطفي في علاقة بشخص يعاني من اضطراب الشخصية.
والذين يمارسون الابتزاز العاطفي يدركون في قرارة أنفسهم أن ما يطلبونه ليس من حقهم، لذا يلجأون إلى الاحتيال لتحقيق أغراضهم، ويزيد الابتزاز العاطفي في المجتمعات العاطفية التي تتحكم المشاعر في سلوكيات أبنائها. والمرأة على وجه الخصوص بارعة في استغلال دموعها ومظاهر ضعفها وانكسارها واحتياجها في عمليات الابتزاز العالاطفي. ويزداد الابتزاز العاطفي في العلاقات العاطفية بين الجنسين وقد تمارسه المرأة أو يمارسه الرجل، ويحدث نتيجة ذلك استغلال الطرف المبتز للطرف الآخر واستنزافه ماديا أو معنويا أو إبقائه تحت السيطرة مستغلا في ذلك حظوته عنده.
وتكمن حالة الشعور بالوحدة والشعور بعدم الأمان والخوف من الهجر خلف سلوك الابتزاز العاطفي، وهذا يدفع المبتز عاطفيا إلى استنزاف من يبتزه أو يبتزهم وجدانيا بشكاواه المتكررة والمستمرة وبتحميلهم مسؤولية معاناته.
ويغلب حدوث الابتزاز العاطفي من النساء (وان كان موجودا أيضا في الرجال)، ويكثر حدوثه في المصابات باضطراب الشخصية الحدية أو من لديهن سمات الشخصية الحدية، وهذه الشخصيات تشعر بالفراغ النفسي والعاطفي وتشعر دائما بالتهديد بالهجر ممن يتعلقون بهم ولذلك يتشبثون بهم تشبثا شديدا، ومع ذلك يؤذونهم بسلوكياتهم الملحة والمضطربة ويضعونهم في صراع ومشاعر بالذنب تجاههم.
ويحدث أيضا في الشخصيات النرجسية والسيكوباتية التي تميل إلى استغلال الآخرين لتحقيق أهدافهم وتلبية رغباتهم، وقد يحدث في شخصيات عادية حين تكون تحت تأثير احتياج ملح أو شعور بعدم الأمان.
والابتزاز العاطفي موجود عند الأطفال لكنه لا يعني أنهم محتالون لكنهم لا يمتلكون طرقا تعبيرية للاقناع سوى استثارة عواطف ذويهم لكنهم مع السنوات يكتسبون طرقا مختلفة في التعبير عن أنفسهم ويفترض بهم تجاوز الابتزاز العاطفي لكنه إذا ما استمر حتى مرحلة المراهقة والمراهقة المتأخرة فقد يصبح هو أسلوب تعامل الشخص مع كل من حوله .
طبيعة ضحايا الابتزاز العاطفي :
وعلى الرغم من إعلان الضحايا غضبهم واستيائهم ممن يبتزونهم عاطفيا إلا أنهم يستمرون في التعلق بهم لممارسة مزيد من الابتزاز والاستنزاف. وضحايا الابتزاز العاطفي يلعبون دورا في ذلك، إذ يبدون تعاطفا مبالغا فيه تجاه من يبتزهم ويستجيبون لابتزازه، ولديهم قابلية للشعور بالذنب، ويلعبون دور المنقذ ودور البطل ودور الراعي بشكل مبالغ فيه، فيغرون المبتز بمواصلة سلوكه الابتزازي.
وقد يكون الضحية أب أو أم أو ابن أو صديق أو حبيب، وهو يميل إلى حب العطاء والرفق بالآخرين وإعطائهم العذر دائما والشفقة بالضعفاء، والمروءة والنجدة، والشعور المبالغ فيه بالمسؤولية عن الآخرين، والشعور بالفخر عند تقديم المساعدة، والشعور بالقيمة حين يكون في موضع المنقذ أو البطل، ويتمتع بضمير قاس يحاسبه على أي خطأ أو تقصير، ولديه مشاعر مرهفة وحساسة، ولا يتحمل رؤية ضعيف أو محتاج دون أن يهب لمساعدته، ومع هذا لديه هشاشة في صورة الذات لذلك يحتاج إلى تدعيم صورة ذاته بتقديم العون والمساعدة للآخرين. وقد يكون الضحية في حاجة إلى الحب والتقدير من جانب من يبتزه، لذلك يرضخ لابتزازه كي يضمن استمرار العلاقة، وهذا يضع الإثنين تحت وصف الاعتمادية المتواطئة، فالمبتز يمارس الاعتمادية المباشرة، والضحية يمارس الاعتمادية غير المباشرة.
الجذور الأسرية للابتزاز العاطفي :
ارتبطت حالات الابتزاز العاطفي بالشعور بعدم الأمان تنتج عن علاقات تنافسية بين الإخوة والأخوات، أو أن الطفل كان عرضة لشكل من أشكال الابتزاز العاطفي وكان حب الأم مشروطا بسلوكيات تحقق أهداف الوالدين وتوقعاتهم من الطفل. وعلى نطاق أوسع، في العلاقات الأسري... يتوقع من كل شخص أن يتم التحكم به، وأن يتحكم في الآخرين، عن طريق التأثير المتبادل الذي يمتلكه كل واحد على الآخر... ثم اللجوء إلى إجبار الآخرين بالتعاطف، والابتزاز، الامتنان، الشعور بالذنب، والعرفان أو العنف المجرد.
العلاج :
ودائما في نهاية عرض أي مشكلة نتحدث عن العلاج ، فهل العلاج هنا يكون لمن يمارس الابتزاز ؟.. أم لضحية الابتزاز ؟.. الحقيقة يحتاج الإثنان للعلاج، فمن يمارس الابتزاز تعلم منذ طفولته أنه يحصل على ما يريده بهذه الطرق الملتوية غير الناضجة، وتعود أن المحيطين به لا يحبونه إلا بشروط ومن خلال استراتيجيات معقدة، وبثمن أو مقابل، وقد تعزز لديه هذا السلوك في كل مرة كان يمارس فيها الابتزاز ويحصل على فائدة، ولذلك يحتاج لتبصيره بما يحدث ووقف تعزيز سلوك الابتزاز بعد الاستجابة له، وهذا لا يعني إهمال الشخص أو نبذه، ولكن إعطاء المشاعر بشكل راشد وناضج وليس تحت تأثير الابتزاز، ومراعاة احتياجه للأمان والحب غير المشروط.
وينبغي على الأشخاص أن يميزوا بين من يستغلهم عاطفيا وبين من يتعامل معهم بتوازن ليتجنبوا بذلك التعرض لخيبات أمل عاطفية لأن المبتزين في الغالب لا تعنيهم الا المصالح. والابتزاز العاطفي يعبر عن حالة نفسية غير سوية لأن المبتزين يتكئون على الاحتيال لتحقيق أغراضهم وهو تصرف يتم عن وعي لذا ينبغي أن يواجه بالحزم لكي يكف هؤلاء الاشخاص عن سلوكهم الانتهازي غير السوي.
وعلى الجانب الآخر يحتاج الضحية للتدريب على اكتشاف ورصد وسائل الابتزاز العاطفي واستراتيجياته وأشكاله، وأن يفهم التركيبة النفسية للمبتز عاطفيا، وأن يتحكم في مشاعره فلا تستنزف أو تستدرج تحت تأثير مشاعر الذنب أو الخوف التي يزرعها فيه المبتز. وقد يحتاج الاثنان لمعالج نفساني متمرس يساعدهما على وقف الابتزاز ووقف الاستجابة له، ومساعدة الطرفين على النضوج النفسي الطبيعي.
واقرأ أيضًا:
القلب والمخ (حقائق وأسرار جديدة) / الحج وإعادة برمجة النفس / الزوج الأناني