من يتابع الأخبار هذه الأيام ويشاهد الإنتاجات الفنية على مختلف القنوات يلاحظ بأن تدخين الحشيش واستنشاق بعض المواد الكيمائية المحظورة يكاد يكون أمراً مفروغاً منه ومقبولاً لا ضرر منه. إجازة استعمال الحشيش وبيعه يدخل في صميم العقيدة الليبرالية، ولا تسمع مؤسسة تؤمن بهذه العقيدة، أو حكومة تعرف نفسها ليبرالية أصيلة إلا وروجت لمثل هذا القرار، وفي مقدمتها هيئة الإذاعة البريطانية. شرعت أمريكا، أوروغواي، هولندا وغيرها إجازة استعمال الحشيش.
الذرائع الإعلامية لاستعمال الحشيش متعددة منها فوائد طبية لمادة تتراهايدركانابينول THC Tetrahydrocannabinol من هذه الاستعمالات علاج الألم، الصرع والتصلب المتعدد، وغيره لا تستند على أدلة علمية وإنما على دراسات هزيلة، والدراسات التي تشير إلى عدم وجود فعالية للحشيش لا يبالي بها أحد. في نفس الوقت السلطات الحكومية تستهدف جني الضرائب وهناك ذريعة عدم إهدار وقت السلطات الأمنية. ولكن الأهم من ذلك في نظر العقيدة الليبرالية بأن استعماله يدخل في صميم الحرية الفردية.
الجدال حول الحشيش
الحشيش له تاريخه منذ أيام الحركة النزارية الإسماعيلية إلى اليوم. تم اقتباس مصطلح حشاش من العربية إلى اللاتينية وأصبح Assassin ويعني القاتل أو السفاك. السبب في ذلك يعود إلى أن أتباع الحسن الصباح قائد الحركة النزارية نشروا الرعب في جنود القوات الصليبية مع قيامهم باغتيال القادة والتضحية بأنفسهم. الأسطورة تقول بأن أتباع الحسن الصباح يتم تخديرهم بالحشيش للقيام بالاغتيال وبأنه وعدهم بجنة الأرض قبل السماء مع تدخين الحشيش.
من أكثر من نصف قرن من الزمان هناك جدال حول أضرار الحشيش على المدى القريب والبعيد. ربما استعماله مرة واحدة لا يوثر على عافية الإنسان ولكن تكرار استعماله يـؤدي إلى أعراض سالبة تتميز بانعدام الاندفاع والخمول يُشار إليها بمتلازمة الانعدام التحفيزي Amotivational Syndrome. هناك من ينكر أن الحشيش يؤدي إلى الإدمان رغم انتشار مثل هذه الظاهرة في الممارسة المهنية. من أعراضه الجانبية المعروفة التقيؤ المستمر وفقدان الوزن. الكثير منهم يعانون من أعراض وجدانية مع أفكار انتحارية، ولا تجد مراجعا يعاني من اضراب ذهاني إلا وتدهورت أعراضه مع استعمال الحشيش. من أعراضه الحادة تدهور الأداء المعرفي والتناسق وبالتالي من هو تحت تأثير الحشيش يشكل خطراً على غيره مع جلوسه خلف عجلة قيادة السيارة. لا يصعب اكتشاف الحشيش في سوائل الجسم حتى بعد مرور أسبوع من استعماله.
لا تسمع الإعلام يتحدث عن أضرار الحشيش الحادة من تدهور الوظائف المعرفية، الهلاوس، وعدم التوازن الوجداني. المادة التي يتحدث عنها التيار الإعلامي الليبرالي هي واحدة من مئات المواد الكيمائية في الحشيش. رغم ذلك فإن المادة الفعالة أعلاه معروفة بأنها أليفة الدهون Lipophilic ويتم خزنها في الخلايا العصبية تدريجيا وبصورة دائمة وهذا ما يفسر الأعراض السالبة وغيرها من الأعراض المزمنة خاصة في الذين يستعلمون الحشيش من عمر مبكر. من جهة أخرى تسمع من ينتقد دراسات أضرار الحشيش مدعياً بأن الجهات الرسمية لا تمول إلا الدراسات التي تبحث في أضرار الحشيش دون فوائده.
من يعمل في قطاع الطب النفسي يشاهد بأم عينيه كارثة استعمال الحشيش على المرضى ودوره في انتكاستهم المرة بعد الأخرى. الجيل الجديد، وربما القديم أيضاً لا يبحث إلا عن مواد كيمائية للحصول على الأمان والسكينة وأخرى لتحسين التركيز والعزيمة. ولكن آخر ما يجب تجربته هو الحشيش.
واقرأ أيضاً:
إعادة بناء الذات / أبعاد نفسية في شعر أبي الطيب المتنبي