الطب النفساني في عصرنا هذا يكثر التركيز على دور الصدمة في إصابة الإنسان باضطراب عقلي٬ وهذا يتوازى مع الخطوط العريضة للمدرسة الاجتماعية أو النموذج الاجتماعي في الطب النفساني.
تعريف الصدمة لا يخلو من الغموض ولا توجد معايير موضوعية تفصل حدث غير صدمي عن صدمي، وتفسير الإنسان لمعاناته بسبب حدث يصفه بالصدمة لا يخلو من تحيز معرفي٬ وعلى ضوء ذلك التعريف الكثير الاستعمال والمبسط للصدمة على أنه حدث داخلي أو خارجي يؤدي إلى تحفيز العقل إلى درجة لا يتحملها الإنسان. يضع تعريف الصدمة استنادا إلى تجربة الفرد٬ ولكن الصدمة ليست تجربة فردية فحسب وإنما قد تكون تجربة جماعية قد تؤدي إلى تمييز الهوية الاجتماعية للمجموعة ويتم توارِثها من جيل إلى آخر.
طب نفسي الصدمات لا يعني فقط باضطراب الكرب التالي للرضح PTSD(Post Traumatic Stress Disorder) كما يتصور الكثير٬ وليست كل صدمة تؤدي إلى الإصابة بالاضطراب الأخير وتشير الإحصائيات إلى أن معدل من يعانون من اضطراب PTSD بعد تعرضهم لصدمة قوية لا يزيد على ١٥٪ بكثير. الصدمة ترفع من احتمال الإصابة بمختلف الاضطرابات النفسية وتعيق التعلم بل وحتى هناك دراسات (تحتاج إلى تكرارها)٬ تشير إلى أن الصدمات تؤدي إلى ضمور بسيط في الفص الجبهي للإنسان وعدم توازن الهرمونات.
القواعد العامة لتأثير الصدمات كما يلي:
١- ارتفاع احتمال الإصابة باضطراب عقلي مع تكرار الصدمات.
٢- التعرض إلى صدمة متعمدة أو مستهدفة يؤدي إلى ارتفاع احتمال الإصابة باضطراب عقلي٬ مقارنة بصدمة غير متعمدة.
٣- التعرض للإساءة في مرحلة الطفولة وليس إهمال الرعاية يرفع من احتمال الإصابة باضطراب ذهاني بعد البلوغ .
آلية صدمات الطفولة:
صدمات الطفولة من نوعين:
١- الإساءة
٢- الإهمال
والإساءة أمرها أشد من الإهمال. ينمو الطفل في بيئته العائلية٬ وهناك تمثيل عقلي في داخله لمن يرعاه. الطفل المصدوم يحمل في داخله تمثيل لوالد مسيء ووالد يرعاه، ولكن هذه الازدواجية في التمثيل تؤدي إلى ارتباك عاطفي ومعرفي في العقل٬ ومن جراء ذلك يلجأ الطفل إلى كبت تمثيل الأب المسيء من خلال عملية تؤدي بدورها إلى انشطار الذاكرة والعواطف٬ ويفقد الطفل تدريجيا قابليته على إدراك عواطفه الداخلية وعواطف الآخرين بصورة صحيحة. الإنسان الذي يفقد القابلية على وعي العمليات النفسانية الداخلية والتحكم بها يفقد القابلية كذلك على تنظيم عالمة العاطفي والفكري.
الطفل المصدوم لا يبقى معوقاً عاطفيا طوال العمر٬ وقد يفلح في التخلص من التمثيل المرتبك لمن أساء إليه بتمثيل آخر لإنسان بديل يوفر له الرعاية بدلا من الإساءة. كذلك التحري عن الصدمات في التاريخ الشخصي قد يساعد على تجاوزها كعامل يعيق عملية الشفاء والاستجابة إلى المعالجة الطبنفسية.
واقرأ أيضًا:
العلاقة بين الهرمونات والوزن / الجريمة والعنف والصحة النفسية