لغة الضاد نبض كينونتي، وإيقاع وجودي، وأنياط فؤادي، ونفحات روحي، وفيض أكواني، ولسان حالي، ومداد مشاعري، وأحاسيس أشواقي، ومنهل وعي وإدراكي، وأنغام همساتي، وألحان أمنياتي، وينبوع أحلامي، وفيها أسرار حياتي.
لغتي الجميلة كتب بها الأولون روائعهم الشعرية والخطابية، ولها فوارسها الذين اختصروا الأزمان فيها، وألغوا الأماكن والمواقع، فشيدوا حضارة معرفية خالدة في أروقة الأيام.
أنشدَ بها جهابذة الأجيال ومنهم: امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد، وجرير والفرزدق، وأبو تمام والبحتري وإبن المعتز، وأبو نؤاس الذي تمادى بإظهار جمالها في بديعه الخلاب.
ولا تزال النفوس السامية، والأرواح الراقية، والعقول الواعية، تكتب بأحرفها وتنطق أصواتها.
ومن كُتابها الأشاوس عبد الحميد الكاتب، وابن المقفع، والجاحظ، وآخرون كثر اعتنوا بروعة بيانها.
وقائمة الشعراء تطول، لما قدموه من نصوص تتفوق بجمالها على أروع اللوحات المرسومة بالألوان.
وفي زمننا المبتلى بنا، نسعى لنسف جذورها، والقضاء على سيبويه والفراهيدي وأبو الأسود الدؤلي وأمثالهم من مناراتها وأنوار وجودها السامق المديد.
وهذا السلوك ينم عن جهل فاضح بقيمة اللغة العربية، ومعالمها الجمالية الواضحة في القرآن، الذي لولا جمال لغته وروائع آياته، لما بقي فعالا في أروقة حياتنا.
نعم إنه جمال اللغة العربية، وكل كلام منطوق أو مكتوب يغفل جمالها، ويتجاهل أسرار روعتها، فإلى ذبول وغياب، ولن يبقى حيا في ربوع الأجيال سوى الكلام الجميل.
فلماذا نردد: "ودع هريرة أن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل"
و"دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء"
إنه جمال اللغة والمعنى، ومن لا يأتينا بجميل عليه أن يتحلى بالصمت الجميل!!
اقرأ أيضاً:
القهر والكتابة!! / النص المعفوص!!