التحليل النفسي لشخصية نتنياهو (دكتاتور إسرائيل)3
وكانت رسالة الأبوين لأبنائهم : "انجحوا بأي ثمن، وكرسوا كل شيء لهدفكم". وكان بنيامين نتنياهو يوصف بأنه طفل جاد ومجتهد بشكل استثنائي وهادئ ومنعزل. لقد كان طالبًا جيدًا جدًا ومنضبطًا وقارئًا نهمًا (جورين وبيركويتز، 1996: 36). وعندما كان مراهقًا، انفصل عن إسرائيل عندما عادت العائلة إلى الولايات المتحدة. خلال هذه الفترة الزمنية، أظهر إرادة قوية واستقلالًا ونضجًا، حيث كرّس كل وقته للدراسة، وحصل على مرتبة الشرف بانضباط ذاتي استثنائي (كاسبيت وكفير، 1997، ص 40). كانت لدى نتنياهو آفاق ممتازة: كان وسيمًا، طويل القامة، رياضيًا، وقويًا. ومع ذلك، كان وحيدًا ومنعزلًا، وغير ودود، ومن غير المرجح أن يشارك في محادثات من القلب إلى القلب، كما أظهر رغبة قوية في المنافسة والفوز. عندما كان عمره 18 عاما، عاد نتنياهو إلى إسرائيل لأداء واجبه العسكري. لقد كان جنديًا جيدًا: متحفزًا للغاية، وجادًا، وطموحًا، ومطيعًا تمامًا. وُصف بأنه رجل العمل، وليس رجل الإبداع أو الأصالة أو الرؤية (يديعوت أحرونوت، 1996: 6). كان نتنياهو ضابطا جيدا، لكنه لم يكن متميزا مقارنة بالقادة الآخرين في وحدة النخبة الخاصة بهم. وقد وصف بأنه صارم ولكنه عادل (باشان، 1995: 10). في الجيش، لم يقم نتنياهو باتصالات اجتماعية تتجاوز تلك الضرورية أثناء أداء واجبه، فقد كان منسحبًا ومنغلقًا، على الرغم من استعداده للمساعدة عند الحاجة (هورويتز، 1992: 6).
وكان شقيق بنيامين نتنياهو، يوني، أكبر منه بثلاث سنوات، وكان الابن الموهوب والمحبوب، الذي "حمل شعلة الأسرة" وخصص منذ سن مبكرة ليكون نجما، أمل الأسرة (جورين وبيركويتز، 1996: 35). غالبًا ما كان يوني بمثابة الأب البديل لإخوته الأصغر وكان قدوة مركزية لهم. لقد كان موضع حب بنيامين وإعجابه ونموذجًا يحتذى به (هورويتز، 1992: 6). ومع ذلك، توفي يوني نتنياهو أثناء القتال خلال عملية عنتيبي (كان أحد أفراد القوة التي ذهبت لتحرير رهائن في طائرة إسرائيلية اختطفها فدائيون فلسطينيون ليبادلوا بهم مسجونين فلسطينيين في سجون إسرائيل ). وبالنسبة لبنيامين نتنياهو، الذي كان يدرس في الولايات المتحدة، كان هذا الحدث هو أكبر ضربة تعرض لها على الإطلاق، ومع ذلك كان وفيا لطبيعة الأسرة التي كان رد فعلها بضبط النفس العاطفي، وتم توجيه مشاعر الحزن والأسى في اتجاه عملي: في وقت قصير نسبيًا، كرست الأسرة نفسها لإقامة نصب تذكاري غير مسبوق لابنها (جورين وبيركويتز، 1996: 36). أصبح مشروع تخليد ذكرى يوني محور حياة بنيامين نتنياهو وكان بمثابة نقطة انطلاق ليصبح خبيرًا دوليًا بارزًا في مجال الإرهاب. وليس هناك شك في أن بنيامين نتنياهو حزن بشدة على أخيه، ولكن من المستحيل أيضًا تجاهل استغلاله للنصب التذكاري من أجل تقدمه الذاتي والحصول على مكاسب شخصية كعادته.
التقييم النفسي: يكشف سلوك بنيامين نتنياهو عن العديد من سمات الشخصية النرجسية، بما في ذلك: التمركز حول الذات، والرغبة في التفرد والعلو، والميل إلى جنون العظمة (ربط مصيره الشخصي بالمصير الوطني)؛ والطموح القوي؛ والتفاني الكامل لهدفه (النجاح بأي ثمن)؛ وعدم الاعتراف بالضعف ورفض تحمل اللوم؛ وعلاقات متلاعبة؛ واستخدام الآخرين لتحقيق أهدافه؛ والأخذ من الناس كل مايستطيعه؛ وخيانة الأمانة في السياسة؛ والافتقار إلى الأخلاق الشخصية والسياسية؛ والحساسية الكبيرة للنقد، والوعي الشديد بمظهره (سمات الشخصية النرجسية، الجمعية الأمريكية للطب النفسي، 1994).
ويضاف إلى السمات النرجسية سمات بارانوية، فقد ظهرت شكوك نتنياهو منذ سن مبكرة، حيث كان يلاحظ المؤامرة في كل مكان – من يختلف معه فهو بحكم التعريف مخطئ وضده، بل وعدو له. لقد نظر إلى العالم باعتباره مكانًا قاسيًا، لا مكان فيه للإيثار، أو العمل الخيري، أو الصداقة الحقيقية، وهو صراع دارويني مستمر من أجل البقاء. ويرى نتنياهو نفسه، مثل والده، دخيلا على المؤسسة، معزولا ومتعرضا للتمييز. لقد اعتبر جميع زملاؤه السياسيون منافسين وانتقم ممن تم القبض عليهم وهم يعارضونه. يمتلك نتنياهو أيضًا بعض سمات الشخصية الاستبدادية (أدورنو وآخرون، 1950؛ ستون وآخرون، 1993)، فهو يميل إلى إنكار نقاط ضعفه وإلقاء اللوم على الآخرين (على سبيل المثال، وسائل الإعلام) في إخفاقاته؛ وعلاقاته مع الناس متلاعبة وتعتمد إلى حد ما على الهيمنة؛ يرى الأحداث والأشخاص من حيث القوة، وهو ما لديه شغف كبير بها؛ إنه قائد عدواني.
نتنياهو يقيم العالم بتناقضات صارخة، فسياساته المعارضة محافظة وصارمة، وبرنامجه الأساسي هو القومية الواضحة. إنه ينزع قلوب مؤيديه الشعبيين، ويؤجج نيران غرائزهم، ويعد بتأسيس هياكل اجتماعية وحكومية جديدة، ويدعو جمهوره المخلص إلى التمرد ضد النظام الاجتماعي القائم.
ويبدو أن أساس مفهوم نتنياهو للسياسة يرتكز على عدد من سمات شخصيته:
(أ) عدم قدرته على أخذ وجهات نظر أخرى غير وجهات نظره بعين الاعتبار وهذا ما يجعله دكتاتورا يتلاعب بقيم الديموقراطية.
(ب) البيئة العائلية المبكرة التي كان يُنظر فيها إلى تاريخ الصهيونية على أنه استمرار مباشر لمسار الأجداد الذين استوطنوا أرض إسرائيل، ووسيلة لتصحيح الظلم التاريخي المتمثل في نفي اليهود من أرضهم وفي هذا السياق، فقد تعاطف نتنياهو بعمق مع الفكرة التاريخية المتمثلة في إسرائيل الكبرى، التي تنتمي إلى اليهود كقومية أكثر منها كدين.
(ج) الرسالة الأساسية لتربية نتنياهو وهي أنه "لا ينبغي أن يقف أي شيء في طريق التصميم" مما يؤدي إلى الشعور بالقدرة المطلقة، عندما يكون مصحوبًا بمعرفة الأهداف والقناعات، وكان لهذا أثر كبير في تعنته إزاء محاولات الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، بل وارتد على كثير من الاتفاقيات التي عقدها أسلافه، والتي كانت مقدمات لإيجاد حل سلمي للقضية، مما أدى إلى تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية عدة مرات خاصة في قطاع غزة، وتورط نتنياهو في مجازر متكررة للفلسطينيين.
(د) الأنانية لدى نتنياهو، كما يتجلى بوضوح في قدرته على التضحية بالإيديولوجية من أجل النجاح الشخصي. وفرضية أخرى حول عائلة نتنياهو تتعلق بمكانة كل طفل في العائلة: هناك بعض الأدلة على أن نتنياهو عاش في ظل أخيه الأكبر يوني، ولم يكن يحظى بالاهتمام الكافي نظرا لتألق يوني، ولهذا ترسب في نفسه الإحساس بالاضطهاد والظلم والإهمال، وكان رد فعله حالة من الولع بالظهور والنجاح بأي ثمن والتضحية بكل القيم والأخلاق من أجل تحقيق أهدافه الشخصية، وحالة من العدوانية الشرسة لكل ما يعوق تحقيق أهدافه والتي يعتبرها، هي نفسها، أهداف إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن موت يوني غيّر حياة نتنياهو، فقد يكون قد شعر بالحزن عليه لبعض الوقت، ولكنه استثمر ظروف موته لتحقيق مكاسب شخصية ماكان يحلم بها، ففي عملية إحياء ذكرى يوني، كشف عن نفسه للعالم السياسي وأصبح شخصية إعلامية معروفة.
ويبدو أن جزءاً كبيراً من إخفاقات نتنياهو ومشكلاته في منصبه كان نتاجاً لشخصيته، وليس بسبب افتقاره إلى الخبرة. ويتساءل كثيرون عن صعوده السريع إلى السلطة من ناحية، وفشله كرئيس للوزراء من ناحية أخرى، وربما شخصيته، كما هو موضح هنا، تقدم تفسيرا محتملا، فسمات شخصيته مثل :الطموح، والتصميم، والمهارات الإعلامية الفائقة، والبلاغة الهائلة، والسحر الشخصي - مناسبة للغاية لتحقيق أعلى منصب سياسي، ومع ذلك، فإن هذه السمات ليست كافية للمسؤول الفعال. وعلى الجانب الآخر كانت هناك صفات شديدة السلبية والخطورة في شخصيته مثل :الافتقار إلى المصداقية، وضعف القدرة على العلاقات الشخصية، وجنون العظمة، والعدوان، والشك، والأنانية، والتلاعب، والعدائي، والرغبة في الانتقام، وافتقاد القيم الأخلاقية والإنسانية - تمثل عقبة خطيرة أمام رئيس وزراء ناجح. كما أن اتهامه المتكرر في قضايا فساد ومحاولاته المستميتة لتضليل العدالة، بل ولتغيير القوانين لكي يفلت من الحساب، وتورطه في اقتحام قطاع غزة وقتل آلاف المدنيين والنساء والأطفال وهدم المستشفيات وارتكاب جرائم حرب، كل هذا يضع هذه الشخصية أمام خيارات كارثية، خاصة وأنه لا يهتم لشيء إلا مصالحه الشخصية.
واقرأ أيضاً:
جائحة خطاب الكراهية / الدعم النفسي للأشخاص في زمن الأوبئة والحروب3