بصراحة هذه أسباب طلاقي!1
نعود لسؤال: متى تم الطلاق؟ فقد استمرت محاولات رأب الصدع –كما يقولون- مدة عامين في محاولة من الطرفين للتفاهم، مرة بالحوار الهادئ والمصارحة، ومرات بالفعل ومحاولة إرضاء الطرف الآخر-وفي خلال هذه الفترة أنجبنا ولدنا – ولكن اختلافا بل تناقض الطباع كان دائما هو الفيصل، فسارت الأمور في مجرى الطلاق، واقتربت منه، ولم يعجل من الأمر بل يقضي على العلاقة نهائيا إلا التدخل الأحمق من والدتها، التي –والله أعلم- قد استحضرت فيما يحدث مع ابنتها، كل ما حدث معها هي من قبل زوجها، فأصرت أن تخرج كل العقد والكبت الذي عانت وتعاني منه من طليقها فيّ أنا-زوج ابنتها- مع أنني والله يشهد، كنت أعاملها كما كنت أعامل والدتي، وأحسن مما كان أولادها يعاملونها، وعموما كان تدخلها بالفعل السبب الرئيسي للبدء في إجراءات الطلاق، بل كانت تحث عليه بطريقة غريبة، وكأنه نصر مظفر تقدم عليه، وليس مصيرا مكررا لابنتها كمصيرها هي!! وهكذا تم الطلاق بمباركة من أمّ زوجتي وفرحة.
- ما بعد الطلاق
الحديث عن ما بعد الطلاق حديث هامٌّ وخطير، نظراً لأن من يعيشون هذه التجربة، غالباً ما يؤثرون الصمت، وعدم الخوض في هذه الأمور، إما لعدم رغبهم في استحضار الماضي بما يحمل من هموم وأحزان وأتراح، وإما لعدم رغبتهم في تجريح الطرف الآخر الذي رغم الانفصال عنه، فإنها لا تزال تعتبر علاقة بين طرفين دامت واتصلت، وإن شابها بعض المشاكل التي منعت هذه العلاقة من النجاح والاستمرار، إلا أن فيها الكثير من اللحظات الجميلة التي ما زال الإنسان يذكرها، ويتبسم حين تخطر بباله، فأي حديث عن هذا الأمر سيصنع جرحا، وقد يصل إلى تجريح الطرف الآخر الذي جمعتنا خلاله أيام صفاء وهناء.
أنا قد أوافق على ما سبق في عمومه، ولكني أختلف في تفصيلاته، فليس كل حديث عن محاولة زواج فاشلة يصنع جراحا ويجرح طرفا آخر، بل بإمكانك-خاصة بعد فترة من الانفصال- أن تتضح النقاط أمام عينيك، فتميز الصحيح من الخطأ، وتنقل تجربتك دون المساس بمشاعر أحد، أو إثارة هموم وأحزان داخلية، وهذا ما دفعني للكتابة ورغبتي في مشاطرة تجربتي مع الآخرين عبر الموقع وصفحاته الجريئة التي تقدم موضوعات معاشة وحقيقية.
من هذا المنطلق كان حديثي عن ما بعد الطلاق، ولا أكتمكم سرًّا أنني بعد انتهاء تجربتي، قررت ألا أتزوج مطلقًا مرة أخرى، وأن قدري هو هذه التجربة، ويكفيني أني قد خرجت منها بأجمل وأحلى ما يرجوه إنسان، ولدٌ جميل رائع، أحبه وأحنو عليه، وأتمنى له كل ما يسعده، ويكفيني ما لاقيته في زواجي، وكفى زواجا بعد ذلك، عمومًا هذا القرار قد خفت وطأته كثيرا بعد مرور أكثر من عامين على الطلاق، وإن كانت آثاره وترسباته ما زالت ماثلة أمامي، وفي داخلي، أما عن حياتي كيف سارت بعد الطلاق، فمن الطبيعي أنها قد تراوحت بين الشعور بالراحة بعد ثلاث سنوات من الضغط العصبي، وفي نفس الوقت الشعور بالتعب نظرًا لاضطراري للقيام بكل مستلزمات حياتي الشخصية التي كنت قد ارتحت من جزء كبير منها خلال فترة الزواج، إضافة إلى افتقادي لرؤية ابني يوميًّا، وكذلك إحساسي باحتياجه لي وافتقاده لوجودي معه دائما، خصوصًا وأن طليقتي-وهذا أمر إضافي يحمد لها- لم تحاول أبدا أن تسيء لصورتي في عينيه بعكس ما تفعله الكثيرات في مثل هذا الحال، بل هي دائما ما تحرص على ذكري بخير أمامه، وعلى معاملتي بطريقة ممتازة عندما نلتقي، حتى لا يشعر بأن هناك شيئاً بيننا فتتأثر نفسيته، وهو بالطبع قد شعر بذلك نظرًا لعدم تواجدي المستمر معه، ولكن على الأقل نحافظ على صورتنا الطيبة في عينيه.
- هل الطلاق شرٌّ كله؟
بالتأكيد أنه ليس كله شرا، بل فيه الكثير والكثير من الخير، نعم كان استمرار الحياة الطبيعية أفضل، ونعم الاستقرار والسكن والسكينة في الزواج، ونعم أن ينشأ أولادك بين أحضانك هو الأصح، ولكن أما وقد تم ما تم، ولم يكن وقتها أمامنا بديل آخر، هل يعني هذا ألا فائدة من الطلاق؟ بالطبع لا، وأنا هنا سأنقل بعضا من العديد من الفوائد التي خلصت إليها من تجربتي الشخصية، خصوصا، وأنها كانت أول حالة حبٍّ أعيشها في حياتي، وهذا الحب جعلني لا أرى الكثير من اختلافات الطباع بيننا في فترة الخطوبة، وما كان يبدو من هذه الاختلافات في تلك الفترة –وهو كثير- كنت لا أقف أمامه كثيرا معللا ذلك بأن الحب سيحلّ كل المشاكل، يكفي أن أحنو على زوجتي ليذهب كل خلاف بعد ذلك أدراج الرياح، وواقع التجربة أثبت لي عدم صحة ذلك، نعم حاول الحب الصمود واستمر صامدا لثلاث سنوات، خاصة –وكما قلت سابقا- أن المشاكل بدأت بعد أول أسبوع، وسبقتها مشاكل في فترة الخطوبة، صمد الحب ثلاث سنوات، ولكنه وحده ليس قادرا على الصمود للنهاية، فاختلاف الطباع والبيئات له دائما التأثير الأكبر، وبالتالي وضع هذه الاعتبارات قبل اعتبار الحبّ، وأنا أقول الآن بعد أن وعيت الدرس: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما فعلت كذ1 وكذا"، وأنا الآن بالتأكيد، لو تقدمت لخطبة امرأة أخرى سأضع في تفكيري اعتبارات أخرى مع اعتبار الحب، كالتوافق الطبعي، وتشابه البيئات، وأرى شخصيًّا تفضيل أن تكون من نفس بلدي.
درسٌ ثانٍ: وهو ضرورة وجود سكن منفصل للزوجين مهما كان وضع الأسرة أو الأمّ، ودعك من الحديث عن أي سبب أو مبرر، فما لم تكن لك شقتك المستقلة، فلن تستطيع أن تعيش في البيت كما تريد، وإذا اضطررت لوجود أمها معك، فلتكن ضيفة في بيتك لا أنت في بيتها.
درسٌ آخر مستفاد من تجربتي: أن الطلاق ليس نهاية العالم، فبإمكان الجميع البدء من جديد، والتعامل مع الواقع بما فيه، وليكن ما حدث تجربة نتعلّم منها –وهو ما حدث بالفعل- وليس معنى الفشل مرة، الفشل دائما، بل أرى أن نسبة النجاح في المرة الثانية للزواج أكبر من أي نسبة لمن يريدون الزواج أول مرة، لأن التجربة الأولى منحتنا الخبرة، وكشفت لنا عيوبنا التي لم نكن نراها، كما أنها أنارت سبيل الحياة الزوجية المستقبلية لنا، من حيث كيفية إرضاء الطرف الآخر، ومن حيث ما يمكن وما لا يمكن التنازل عنه، ومن حيث كيفية إدارة شئون الأسرة، وتجنب الأخطاء والمشاكل.
وأخيراً: أعلم أني قد أطلت الحديث، ولكن اعذروني فتجربة امتدت ثلاث سنوات يصعب تقييمها في وريقات، لقد حاولتُ أن أكون مركزاً في كلامي، واجتهدتُ أن أكون موضوعياً في طرحي حتى لا أظلم أحداً.
وأظنني في حديثي هذا قد عبرت عن الكثير من الصامتين الذين يرفضون الكلام، وأوضحت جوانب تجربة قد تنفع الكثيرين ممن هم مقدمون على الزواج، فيتعلمون من أخطائي ما يجنبهم الفشل في حياتهم، ومن يدري لعل ابني عندما يكبر ويترعرع -إن شاء الله- يكون أحد هؤلاء، فأخرج له هذه الأوراق أعرضها عليه، فتجلي له الصورة، وتوضح له الأسباب، وتبصِّره كي لا يقع فيما وقع فيه أبوه، فتكون تجربتي عاصمةً له وللكثير من أبناء المسلمين، من تجارب أليمة ومن لحظات عصيبة.
أتمنى وأرجو وآمل ذلك من كل قلبي.
اقرأ أيضًا:
المطلقة: هل هي نصف امرأة؟؟