هكذا خطوة اثنان، ثلاثة، أربعة، درجة، درجتان، ثلاث، أربع، طابق اثنان ثلاث أربع، لا لا لقد أخطأت العد لأبدأ مرة أخري 1، 2، 3، 4، 5، 6،.........................
- ما الحكمة في أن تعد كل ما تقع عليه عينيك؟ لا أعلم فقط أود ذلك
- هل تشعر بارتياح عندما تفعل ذلك؟؟
والله أني لمجنون وأفعل أشياء غريبة فالمجنون هو الذي يفعل هذا وهو الذي لا يستطيع أن يسيطر علي أفكاره، وقد أصبحت مثله لا أتحكم فيما يدخل عقلي سأذهب لأصلي عساي أن أرتاح.
- ما هذا؟!! كم ركعة صليت؟! أهذ ه الركعة الأولي أم الثانية أم......، لقد أخطأت العد سوف أعيد صلاتي مرة أخرى وأخرى وأخرى.....، تأخذني الوساوس أحيانا من النية حتى سجود السهو، الذي أسجده بعد كل صلاة. يبدو أنني أصبحت قلقا فأنا دائم التوتر والقلق بخصوص أشياء كثيرة كنظافتي وطهارتي وصلاتي والتأمين علي حسن غلق الأبواب والنوافذ لا مفر من الذهاب للطبيب النفسي ليعطيني دواءً يقتل هذا القلق سأذهب إليه لأرى ماذا سيقول لي؟؟؟(مريض بالوسواس القهري).
كحال جميع المرضي النفسيين يعاني ويتألم مريض الوسواس القهري إلا أن معاناته تكون أكبر من غيره من المرضي وقد يصل به الأمر إلي الجهل بطبيعة مرضه أو المسمي الذي يطلق علي زملة الأعراض التي تعتريه وكثيرا من مرضي الوسواس القهري يرتادوا عيادات الأطباء ليس علاجا منه ولكن علاجا لبعض الأعراض الأخرى التي تنتج عنه كالتوتر والقلق والاكتئاب وما إلي ذلك.
ففي المثال السابقلم يكن يعلم المريض أنه مصاب بالوسواس القهري كل ما هنالك أن فكرة العد هذه كانت فكرة تسلطية جديدة فربط بينها وبين التوتر الذي سببته فظن أنه أصبح قلقا ومتوترا حيث جعل هذه الأفكار نتيجة للقلق لا العكس فذهب للطبيب النفسي بهدف إخماد هذا القلق... وهناك مريض آخر تتسبب له الأفكار التسلطية حالة من الانغلاق علي الذات فتهوي بمستوي تقدير الذات لأقل درجاته فيقصد عيادة طبيب بهدف التخلص من الاكتئاب أو يفسر أخر قلقه تجاه فكرة معينة على أنه خوف مرضي وما به هو حاله من حالات الرُهاب أو أو أو....الخ
إن معاناة مريض الوسواس القهري كبيرة فلنا أن نتخيل أن أكبر منحة إلهية أعطاها الله لنا وهي منحة العقل والتفكير لا نستطيع التحكم بها فمن المسلم به أننا نتحكم فيما نفكر فيه ونتحكم في أفعالنا ولكن مريض الوسواس القهري حرم من هذه العطية.
فتغزو الأفكار رأسه بصورة متتالية متكاثرة لا مفر منها ولا ينفع معها الهروب تأتي دون أسباب ولا تتقيد بأوقات وبالرغم من اعترافه بسخافتها إلي أنه يعجز عن صدها كما أنه تقلل من تقييم الفرد لنفسه ويلوم نفسه علي هذه الأفكار فإذا ما ابتلي بالوساوس الدينية وجدنا المريض يظن في نفسه أسوأ الظنون وقد يخجل من إخبار الطبيب النفسي بمثل هذه الأفكار فهو يرجع سببها لنفسه ولما لا وهي تدور برأسه هو لا رأس آخر حيث أن هذه الأفكار هي أفكار مجهولة المصدر بالنسبة له فيحاول أن يبحث عن المصدر فلا يجد غير نفسه يصب عليها جحيم غضبه وتنزلق قدماه في دوامة عاصفة قد يظل يدور فيها سنوات فالوسواس القهري لا يكل ولا يمل ذو طاقة متجددة يذهب ليعود أكثر قوة وكأنه فتوة في حي ضعيف لا يكف عن فرض سيطرته بشتي الطرق لماذا ؟!! أكثر شيء يعذب المريض النفسي هو لماذا؟
وتكمن مهمة الأخصائي النفسي والطبيب النفسي في مساعدته للإجابة علي هذا التساؤل وكما نقول في أمثالنا الشعبية إذا عرف السبب بطل العجب وإني لا أعتبر هذا المثل بمثابة قاعدة هامة في العلاجات النفسية فبما أن نضع أيدينا علي السباب نكون قد قطعنا شوطا هائلا تجاه العلاج، فالعقل يشقي بما لا يعرف له سببا ولا يستطيع الإنسان العاقل أن يكف عن التفكير فيما لا يجد له سببا ومهما حاول عقله الواعي أن يستسلم شاهرا الراية البيضاء المكتوبة عليها "هو كده وخلاص" يظل عقله اللاواعي متقد يقظ يبحث هنا وهناك حتي يرتاح ولا راحة إلا بالإجابة علي سؤاله لماذا؟؟
والإجابة علي لماذا الخاصة بمريض الوسواس القهري ليست بالمهمة السهلة علي كل من الطبيب والمريض حيث ينصب اهتمام المريض في المقام الأول علي الأفعال القهرية التي تسببها الأفكار التسلطية ونلاحظ أن مرض الوسواس القهري ينتشر أكثر بين الأفراد الأكثر ثقافة وذكاء فمريض الوسواس القهري من وجهة نظري ذو عقل فذ، فأي عقل هذا الذي يحتمل مثل هذا السيل الجارف من الأفكار والأفعال، بل هناك بعض المرضي الذين يعقدون اتفاقية سلام مع أفكارهم التسلطية وأفعالهم القهرية ويتعايشون معا في وئام زائف قد يمتد لسنوات إلي أن يجد عليهم جديد يجعلهم يتجهون للعلاج كإلحاح الأهل مثلا أو عندما يصل حد الاحتمال مداه الأقصى.
وأخيرا يجب أن نتفق علي عدة نقاط فليس كل من ينشغل عقله بفكرة ما، هو موسوس مقهور كما يحلو لي تسميته فأفكار مريض الوسواس هي:
- أفكار لا منطقية
- لا يستلزم ظهورها أي مثيرات.
- يعجز العقل عن كبح جماحها.
- اعتراف الفرد بلا عقلانيتها وسخافتها.
- يصاحب معظم هذه الأفكار التسلطية أفكار قهرية.
وأحيلكم في النهاية إلى:
الوسواس القهري: أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعي م/ الأفكار المقتحمة : وسواس قهري لكن خفيف!/ أفكار وسواسية: العلاج الكامل!