ما هو مصدر الفكرة التسلطية (الوسواسية) الأولى؟(2)
أرسلت sundes (مهندسة مدنية، العراق، 40 سنة) تقول:
أخي العزيز، أشكر لكم جهودكم لإيصال المفاهيم القرآنية العلمية الصحيحة وتصحيح تصورات الناس للنفس البشرية وكيفية التعامل معها ومعالجة الأمراض النفسية التي يعانونها.
ما استنتجته من كلامكم في الفقرة الأخيرة وهذا ما أؤيده أنه إذا تم بناء النفوس في بيئات مسلمة سليمة وتعتمد الوسطية في التوجيه وتستند للمفاهيم القرآنية الصحيحة وتتبنى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع النفوس وكيفية توجيهها للخير والطمأنينة وتعامله مع الأحداث والمواقف والأخطاء، فلوتم بناء النفوس في هذه البيئات وبهذه الأساليب وبهذا الحب الكبير، فإنها لن تتعرض لهذه الأمراض التي تفتك بمجتمعاتنا اليوم وتدمرها.
وخير مؤيد لنا هو المجتمع السليم الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم في زمانه (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران 110) في بيئة كانت يسودها كل ما تتوقعه من شرك وانحلال وظلم واستعباد للناس ووأد للبنات ووراثة للنساء والزنا والربا والثأر والقتل وأكل أموال الناس بالباطل كل ذلك فيها شيء عادي، فأصلح النفوس والمعايير والأخلاق، فهو المجتمع النموذج للفكر والحياة القرآنية الصحيحة، مجتمع توازنت فيه جميع نواحي الحياة النفسية والاقتصادية والاجتماعية، واستقرت وندرت فيه المشاكل بكل أنواعها.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قدرة الفكر القرآني وطريقة تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الفكر وكيفية تنزيله لهذه المفاهيم إلى واقع وحياة، إنما يدل على قدرته لخلق مجتمع سليم ونفوس سليمة.
أما الأمراض والآفات والفساد الذي يفتك بالمجتمعات الإسلامية اليوم في كل شيء، فتدل على ضعف رابطتها بربها ومنهجها ورسوله، رحمة العالمين، وجزئية العمل بالقرآن وتعارف وتعايش قليل وصلة واتصال ضعيف بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي يهدي للحق (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).
وأختتم قولي بالآية الكريمة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)، فما دام التغيير ممكنا من كفر إلى إيمان مع كل المباحات التي كان يعيشها ذلك الكافر فإن أي تغيير آخر ممكن لأنه أقل وطأة في النفوس من الكفر ومتعلقاته، ولن تتولد نفوس مريضة في بيئات قرآنية سليمة وطريقة بناء تعاملي رسولي كريم وبتوافر الحب والرحمة والتقدير الذاتي المتوافر في ديننا.
مع جزيل الشكر والتقدير والاحترام.
31/3/2009
السلام عليكم؛
الأخت الكريمة، أشكرك على مشاعرك الطيبة، وأجيبك بالنيابة عن الدكتور وائل أبو هندي بارك الله به، حقيقة إن الدكتور وائل كان يتكلم عن المصدر الأول للفكرة الوسواسية من وجهة نظر إسلامية، وقد توصل -اعتماداً على عدد من الأدلة- إلى أنه من الممكن أن يكون المصدر هو الشيطان الرجيم، فأما من كان سليم المخ من الناحية البيولوجية فيستطيع التغلب على وساوس الشيطان بالاستعاذة، وأما من كانت تركيبة مخه مستعدة للإصابة بمرض الوسواس القهري فإنه لا يستطيع التغلب على الوساوس التي يلقيها الشيطان بمجرد الاستعاذة، وتظل هذه الوساوس والأفكار الشيطانية تسيطر عليه نتيجة لمرضه. وهذا أظنه مختلفاً عما استنتجته من كلامه، فملخص ما تم استنتاجه أن الذي يتمسك بدين الله عز وجل لا تصيبه الأمراض النفسية!
وأظن أن هذا الاستنتاج ناتج عن الخلط الشائع بين مصطلح أمراض النفس الذي يتكلم عنها علماء الشريعة ويقصدون بها الصفات الذميمة في النفس البشرية والتي أمر الشرع بمداواة النفس منها والانتهاء عما تأمر به، كالحسد والكبر والبخل ونحو ذلك، وبين الأمراض النفسية التي يتكلم عنها الأطباء والتي تعود-غالباً- لوجود خلل ما في المخ.
فأما النوع الأول الذي يتكلم عنه علماء الشريعة فهذا لا شك أن دواءه يكون بالالتزام بشرع الله عز وجل.
وأما النوع الثاني الذي يتكلم عنه الأطباء، فليس له ارتباط بالالتزام وعدمه، لأن الأمراض التي تصيب الجسم لا يستثنى منها بر ولا فاجر كما هو معلوم، وإصابة شخص ما بهذه الأمراض لا يعني بالضرورة أنه ضعيف الإيمان، فقد يكون كذلك وقد لا يكون. وأزيدك إيضاحاً: لو أن إنساناً أصيب بالجنون وفقد الإدراك (وهو أسوأ الأمراض النفسية) هل يحكم الشرع عليه بأن عاص؟ طبعاً لا! وإنما ينظر إلى عمله قبل فقده لعقله فإن كان طائعاً ختم له بخير من حين فقد عقله، وإن كان عاصياً ختم له بسوء من حين فقد عقله. فإذا كان الجنون ليس دليلاً على صلاح الإنسان وفساده فما دونه من الأمراض النفسية أولى.
وليس أدل على ذلك من وجود الأمراض النفسية التي يتكلم عنها الأطباء في العهد النبوي وما بعده، فالوسواس القهري قد أصيب به الصحابي الجليل عثمان بن أبي العاص وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدواء، وكذلك نجد من التابعين من يسأل ابن عباس رضي الله عنه عن الوسواس فيصف له الدواء، ويذكر أيضاً أن العالم الكبير "ابن دقيق العيد" كان مصاباً بالوسواس القهري أيضاً، وقد كان متبحراً بمذهبي الشافعية والمالكية، وكثير من العلوم.
وكان المسلمون يستخدمون الأدوية الطبيعية في علاج هذه الأمراض، ولو كان الأمر يزول بالدعوة إلى الإيمان لما كان هناك من داع لاستخدام الأدوية. فمثلاً ذكر الفقيه الحنبلي "ابن مفلح" في كتابه "الآداب الشرعية" عند كلامه عن شرب الحليب وفوائده: (أن الحليب ينفع من الوسواس والغم والأمراض السوداوية) ويقصد بالوسواس السوداوي: الاكتئاب. فإذن كانوا يعالجون المكتئب بإعطائه بعض المواد الطبيعية التي تعين على شفائه وليس فقط بدعوته للتوبة والالتزام. ولو كان الاكتئاب من قلة الإيمان وكان يداوى بشرب الحليب، إذن فمعنى هذا أن شرب الحليب يزيد الإيمان فيداوي الاكتئاب، إذن لكان ينبغي أن يصبح الإنسان ولياً من أولياء الله تعالى بعد شربه للحليب وهذا ما لا نجده في الواقع.
والمجتمع المسلم-في الماضي- كان مجتمعاً مثالياً ليس لأنه مجتمع وردي تنعدم فيه المشكلات والأمراض النفسية، فهناك داخل المجتمع المسلم من كان منافقاً، ومن كان سارقاً وشارباً للخمر، ولكنه كان مجتمعاً مثالياً لأنه كان يطبق شرع الله تعالى في علاجه للحالات المريضة، تماماً كما يطبقه على الحالات السوية.
إذن فكلامك سليم في مجمله ولكنه يختلف كلية عما قصده الدكتور وائل في كلامه عن مصدر الفكرة التسلطية الأولى.
ويتبع ..........: مصدر الفكرة الوسواسية الأولى مشاركة3
اقرأ أيضاً: