الاستمناء القهري اضطراب متعلق بالشذوذات الجنسية
أرسلت الأستاذة رفيف الصباغ تقول: السلام عليكم، الأستاذ الكريم الدكتور وائل؛
هذه العبارة في مقالكم حيرتني: (... من هذا البعد من أبعاد نطاق الوسواس القهري يمكن أن يدخل فعلٌ من نوع الاستمناء -القهري- حيث يُفْرِطُ الشخص أو يعجز عن منع نفسه من الإفراط في الاستمناء بشكل يؤدي به إلى الندم الشديد.....)، ولعلي إنما أعجز عن فهمها تمامًا على ضوء الاصطلاحات الشرعية التي في ذهني... ففي الطب والشرع: عندما نقول: فلان مصاب بوسواس قهري في الطهارات. فإن نوعًا من العذر يقدم له من الجهتين... أما الاستمناء القهري فما هو العذر الذي يعذر به صاحبه؟
ولقد تأملت في هذا فوجدت أنه لا يمكن أن يجتمع العذر والاستمناء القهري شرعًا!!
لأن الحالة التي يعذر فيها المستمني شرعًا: هو أن يفعل ذلك لتسكين شهوة عارمة كادت تودي به إلى الزنا، وبشرط أن يقوم بذلك على قدر الضرورة، بمعنى أنه لو سكنت شهوته بمرة في اليوم لم يجز له أن يستمني مرتين! ومن يقدر على ضبط نفسه وفقًا لهذا الحكم، لا يمكن أن يسمى مقهورًا!
وأما من يستمنى للمتعة واستجلاب الشهوة فهذا غير معذور بحال وإن سمي في الطب: مقهورًا!
وقد يقال: إن طبيعة الأمور الجنسية هي التي تضعف الإرادة وتجبر الإنسان على فعلها، لهذا فصاحبها معذور!... ولكن المعروف أن الشريعة -لأجل هذا- رسمت خطوطًا حمراء كثيرة في هذا المجال... فالذي يضعف ويقع في معصية جنسية، ليس بمعذور لأنه هو الذي اخترق الحدود وتجاوز الخطوط الحمراء بإرادته...
ثم لو صححنا هذا في الاستمناء، لكانت كل معصية يندفع إليها الإنسان ويعجز عن منع نفسه منها لضعفه البشري، ثم يشعر بالندم الشديد بعدها، أقول: كل معصية من هذا النوع يصح أن نطلق عليها معصية قهرية!! فيكون عندنا سرقة قهرية، وزِنًا قهري، وغيبة قهرية، وسحر قهري!!
لهذا ألا ترون أن عبارة: (استمناء قهري) عبارة مضللة في مجتمعاتنا؟ وأنها لا تصلح للاستعمال حسب المصطلحات التي اعتدنا عليها؟ إذ أول ما يتبادر لسامعها أنه: لا حرج على من يصاب بذلك لأنه مقهور، والأمر خارج عن إرادته!
ويا ترى لو أردنا توصيف أي سلوك جنسي منحرف، وبيان أضراره النفسية، منطلقين من تعاليم ديننا، والمفاهيم التي تناسبنا، هل كنا سنستعمل نفس العبارات؟ وهل كنا سنتبع نفس الخطة في عرض الموضوع؟ أظن، لا!
وكتمثيل للفرق بين الطرح الإسلامي والغربي:
إن الإسلام يعد الاستمناء معصية من الصغائر ولو لمرة واحدة، ثم ما دام المذنب يندم ويستغفر ويعزم على ألا يعود، ففعله في حيز الصغائر، وإن عاد فانزلق إلى الذنب -لضعفه البشري- عشر مرات في اليوم! وهذا في الغرب إدمان، واستمناء قهري... لكن مع هذا فالإسلام ينظر في هذه المسألة إلى قضية الإضرار بالنفس، فتشتد حرمة الفعل عند الإدمان للضرر.
ثم الإسلام يعد الاستمناء من الكبائر: إذا أصر الفاعل عليه، بحيث لم يندم على فعله ولم يعزم على تركه، وإن مارس ذلك مرة في الأسبوع. وهذا عند الغرب مقبول ولا ضرر فيه!! فهذه الصورة أخطر من سابقتها شرعًا، على عكس النظرة الغربية!!
الذي أراه -والله أعلم- أننا لو اتبعنا طريقتنا الإسلامية الخاصة في النظر إلى هذه المسألة، سنخرج بنتائج مختلفة، وبطرق جديدة مناسبة لنا لعلاج الموضوع....
لأن المسلم لا يحتاج إلى بحث طبي لتمنعه عن الأفعال المحرمة، وإنما يكفي بالنسبة له أن تخبره بحرمة ذلك الفعل، وأن تساعده على تذليل الصعوبات التي تقف في طريق توبته... وتبقى سائر الدراسات الطبية التي تبين أضرار الفعل المحرم هي عبارة عن بيان لحكمة الله تعالى في التحريم لا أكثر!! وهذا يجعلنا نختلف في ترتيب الأولويات، أثناء اختيار الأبحاث والدراسات اللازمة لنا...
* تعليق أ.د وائل
الفاضلة المتفضلة مستشارتنا النجيبة رفيف الصباغ عندما قلتُ العبارة التي شغلتك تلك كنت أشرح عن بعدٍ من أبعاد نطاق الوسواس القهري هو بعد الاندفاعية والهوس بفعل ما، وهذه مجموعة اضطرابات نفسية تسمى اضطرابات العادات والنزوات Habit and Impulse Disorders (أو اضطرابات التحكم في النزوة أو الاندفاعية Impulse Control Disorders ) وتشمل: هوس السرقة أو السرقة المرضية Kleptomania وهوس الحريق أو إشعال الحرائق المرضي Pyromania والمقامرة المرضية Pathological Gambling والمقامرة بالمناسبة محرمة كليا في الإسلام كما تعرفين، لكننا نعالج حالات من مدمني القمار في مجتمعاتنا، وأيضًا هوس الشراء أو الشراء القهري أو الإدماني Compulsive Shopping وهوس أو إدمان ألعاب الكومبيوتر Computer Game Addiction وغير ذلك كما بينت قديما في مقالي عن وساوس الحب والرغبة وكذلك للأمر علاقة بالإدمان كما بينت أيضًا في مقالي عن الإدمان فهنا نجد شكلا مختلفا للعملية القهرية يكون فيها الفعل القهري وربما ما قبله من تخيلات ممتعا إلا أنه فعلٌ من النوع الذي عادة يعقبه الندم الشديد على الفشل في مقاومة النزوة العارمة التي يعرف صاحبها مسبقا أنه لا يريدها أو لا يريد أن يفقد السيطرة بشأنها.
وهي كلها مجموعة اضطراباتٍ سلوكيةٍ لمْ تكنْ درستْ بالشكل الكافي في العصور الماضية وبعضها لم يزل تتشكَّلُ المفاهيمُ حوله إلى حدٍّ يجعلُ مفاهيم الاندفاع والتحكم في الأفعال في حالةٍ تنذرُ بمراجعةِ كثيرٍ من المفاهيم القديمة في الطب النفسيِّ بلْ في السلوك البشري كله وهذه المجموعةُ من الاضطرابات تتميزُ بأفعالٍ متكررةٍ، لا يوجدُ وراءها دافعٌ منطقيٌّ واضح، وهيَ بشكل عام تؤذي مصالحَ الشخص ذاته ومصالح الآخرين، وتشترك هذه المجموعة من الاضطرابات في ثلاث أعراض أو مراحل مترابطة:
1- الفشل في مقاومة اندفاعة أو نازع أو هوى للقيام بفعل ما ضار للشخص نفسه أو للآخرين.
2- شعور متعاظم بالاستثارة قبل القيام بذلك الفعل.
3- الإحساس بالمتعة أو الرضا أو التخلص من الضغط النفسي أثناء القيام بذلك الفعل.
ويمكنني أن أشبه حال المريض بأي منها في مرحلة الشعور المتعاظم بالاستثارة بمن تعتريه حالة من الطيش والاندفاع والعجلة تحت تأثير مثير ما فيفقد السيطرة -غالبا- ويعجز عن كبح جماح نفسه ولهذا يسمى الفعل هنا قهريا..... ويفترض بعضهم أن تأثير الوجود في مجال المثير المعين على المريض يختلف عن أثره على غير المريض ولا أحد يستطيع التأكد من فرض كهذا ..... لكنها كلها مفاهيم تخفف من مسئولية المريض... على الأقل أمام معالجه النفساني.
ويدخل الاستمناء القهري أيضًا نطاق الوسواس القهري من نفس مدخل اضطرابات التفضيل الجنسي Disorders of Sexual Preference (أو الشذوذات الجنسية Paraphilias) فهنا أيضًا نجد شكلا مختلفا للعملية القهرية يكون فيها الفعل القهري وربما ما قبله من تخيلات ممتعا إلا أنه فعلٌ من النوع الذي عادة ما يعقبه الندم الشديد.....، فهنا يقع المريض تحت تأثير مثير ذي سطوة فائقة عليه بشكل يفشل معه في المقاومة.........
لكن ليس هذا بيت القصيد وإنما بيت القصيد أن الاستمناء في الاستمناء القهري ليس معنيا في الأصل بالمتعة بقدر ما هو معني بالتخلص من"غير مرغوب ما" أو "بالربط مع شيء ما" وهي رغبات تبقى مزعجة لصاحبها حتى ينفذها أو يهرب كلية ويعتزل الناس مسرفا في الاستمناء لا ليستمتع إنما ليهدأ، أو هو يستمني ليخفف من شعوره بالفشل أو هي تسترجز قبل النوم لتتمكن من الاسترخاء ونسيان المشاعر المؤلمة.... في حالات الاستمناء القهري نادرا ما يكون الدافع استجلاب المتعة الجنسية لذاتها فلا أدري إن كان ذلك سيستتبع اختلافا من الناحية الفقهية؟
وأما المفاجئ هنا فهو أن رأي الطب النفسي يميل إلى إعطاء العذر بينما القانون لا يعطي العذر في مثل هذه الحالات لأن الفصل فيه يكون بين مسئول عن فعله وقت ارتكابه أو غير مسئول (أما حديثا فقد أدخلوا مفهوم مسئول جزئيا Partial Responsibility أو المسئولية المخففة Diminished Responsibility ) بسبب تأثير الأبحاث الطبية التي أظهرت أن بعض جناة السلوك الإجرامي الشاذ (الجنسي القهري) مرضى لديهم اختلالات كيميائية في أدمغتهم وخصوصيات وراثية في جيناتهم... إلخ.... وبالتالي فهم يستحقون تخفيف المسئولية أو العلاج لا العقاب! والمشكلة أن العلاج غالبا بعيد المنال إلا بالإخصاء الكيميائي المتواصل!
خلاصته أنه حتى القانون الوضعي لا يلتمس العذر لأيٍّ من مرضى الشذوذات الجنسية والاضطرابات ذات العلاقة بالشذوذات، وبالفعل عندنا سرقة قهرية Compulsive Steeling (أو هوسُ السرقة Kleptomania )، وزِنًا قهري Compulsive Sex ، وغيبة قهرية أو كذب قهري Compulsive lying وهذه كلها أشكال تأخذ صفة القهرية بدرجات ومعانٍ مختلفة في الطب النفسي لكنها قانونا كما قلت وطبقا للقوانين الوضعية لا تخفف من مسئولية صاحبها عن سلوكه المشين والمجرَّم اجتماعيا...
وأنا أقول لبعض مرضاي من مرضى الشذوذات الجنسية كالاستعراء Exhibitionism أو الاحتكاكية (التزنيق) Frotturism أو البصبصة Voyeurism أنك في عرفنا الطبي مريض لكنك في عرف المجتمع والقانون منحرف وحين يسألني: وما حالي عند الله أقول الله أعلم بحالك منك ومني عافاك الله... لكنه يعرف جيدا ما يحدث لك وهل يسقط عنك التكليف أو لا؟ ورأيي الشخصي هو لا على الأقل لمن عرف وبدأ طريق العلاج المعرفي السلوكي.
أعجبني تمثيلك للفرق بين الطرح الإسلامي والطرح الغربي، وأشعرني بالفخر تركيزك على مسئولية العبد في تقدير حالته ومدى ضعفه واحتياجه أمام ربه، وأتفق تماما معك في أننا لو اتبعنا طريقتنا الإسلامية الخاصة في النظر إلى هذه المسألة، سنخرج بنتائج مختلفة، وبطرق جديدة مناسبة لنا لعلاج الموضوع.... وأقول لك إن شاء الله نفعل ولكن كيف تكون طرق العلاج لا أدري!
لكن أختلف معك في قولك "المسلم لا يحتاج إلى بحث طبي لتمنعه عن الأفعال المحرمة، وإنما يكفي بالنسبة له أن تخبره بحرمة ذلك الفعل، وأن تساعده على تذليل الصعوبات التي تقف في طريق توبته..." المسلمون في محيطك الصالح يا رفيف ربما زادنا الله من هؤلاء بينما أواجه أنا كل يوم أناسا يبحثون عن الدراسات الطبية السطحية أو الادعاءات غير الموضوعية والتي تدعي غياب ضرر الفعل المحرم لبيان ألا داعٍ للتحريم لا أكثر!!..... هؤلاء بالطبع ليسوا عامة الناس لكنهم الأظهر والأعلى صوتا والقائمون على كثير من المنابر.
كم هي رائعة وواضحة رؤيتكم الفقهية لحكم عادة الاستمناء في الإسلام متى "هي من الصغائر ما شعرت بالذنب بعدها وحاولت التوبة -ولو تكررت بكثرة- وهي من الكبائر إن أنت اعتبرتها حقا من حقوقك ولم يكن يعنيك تحريمها في شيء أي أصبحت تستجلب المتعة ولا تندم على فعلك ولا تعزم على تركه"، لكن أين هذا من فهم الشعوب الإسلامية؟؟ ليس هذا مفهوما إنما الغالبية على أنها عادة فيها خلاف فقهي وطبيا لا تضر وقليل من يعرف بعض التفاصيل فلا فقه عند الناس في الموضوع، ولا أدري كيف يصفهم الفقه؟ وهل فقه البشر حالة كالتي نعيشها هذه من قبل؟؟
وأخيرا لا لست أرى عبارة: (استمناء قهري) عبارة مضللة في مجتمعاتنا؟ لكنها -بمعناها الغربي- لا تنطبق إلا على فئة صغيرة من المتزوجين، وأتفق معك أنها لا تصلح للاستعمال حسب المصطلحات التي اعتدنا عليها؟ لكنني ما زلت أعجز عن نحت الاسم المناسب لحالة استمناء واسترجاز الملايين من المحيط إلى الخليج في جنسهم التخيلي الذي لا يملكون لغيره طولا؟؟؟ أليسوا مقهورين عليه باعتبار أنهم لا يملكون غيره سبيلا؟ بل الاستمناء القهري في مجتمعاتنا هو الذي ألمسه في عملي كطبيب نفساني وعلى مجانين وعلى موقع الأضواء وغيرهم هو استمناء الملايين مع الأسف.... وأتساءل ما زلت هل سيبقون في هذه الحال طويلا نهبا لشتى الشذوذات الجنسية والاضطرابات المتعلقة بها؟
واقرأ أيضًا:
العادة السرية بين الطب والدين(2) / الحوار حول الجنس... متى ستمارسون؟! / نفسجنسي: العادة السرية إناث، استرجاز Masturbation / نفسجنسي: العادة السرية ذكور، استمناء Masturbation