هل العلاج النفسي Psychotherapy فعال؟
هل تتفوق إحدى طرقه على الأخرى؟
هل العلاجات الناجحة تشترك في عناصر مخففة للألم؟
سننظر إلى القضايا هذه باختصار.
لم يكن يشك إلا قليل من الناس في مدى فاعلية العلاج النفسي حتى الثلاثين عاما الماضية، ثم قام العالم الإنجليزي الشهير "ايزنك" بنشر تقرير اشتعلت بمقتضاه قضية جدلية مثيرة، فقد قام "ايزنك" بمسح شامل لنتائج أبحاث العلاج النفسي ووجد أن حوالي ثلثي الأفراد العصابيين فيما يبدو يتحسنون من مرضهم بغض النظر عما إذا كانوا قد تلقوا علاجا رسميا أم لا، وإذا كان العلاج النفسي حقيقة مؤثرا كما يقول "ايزنك" فلابد من أن يكون له مدى نجاح فعال أعلى من مجرد الانقضاء البسيط المزمن.
وقام العلماء السلوكيون بمهاجمة استنتاجات "ايزنك" دفاعا عن أنفسهم وقالوا بأن استنتاجاته كانت مبنية على عينة صغيرة غير ممثلة للدليل القائم، ومهما يكن من أمر فإن النقد الذي أثاره "ايزنك" دفع بالعلماء إلى تركيز انتباههم على قضايا تقويم العلاج النفسي.
ويبدو أن عملية تقويم نتائج طرق العلاج النفسي أمرٌ موغلٌ في الصعوبة لأسباب عديدة أولها أن العلاج طويل ومعقد بشكل كبير ومن الصعب وصف المتغير التجريبي بدقة، وثانيا أن عملية تعريف وقياس مدى التحسن أمر متعب حيث يريد المرضى أن يعتقدوا أنهم بدؤوا يتصرفون بقدرة أكبر خاصة بعد قضاء وقت طويل وإنفاق مبالغ باهظة، وبالمثل يميل المعالِجون إلى التحيز فمن الصعب اعترافهم بالفشل عندما لا يرون أي تحسن في المريض.
وترى الأبحاث الحالية بأن العلاج له فعالية في الأغلب وأثبتت مراجعة حديثة لمئات من نتائج الأبحاث إن العلاج يفوق عدم العلاج بنسبة 80% وأدق الأبحاث في تصميمها أثبتت نتائج أعلى بخصوص قيمة العلاج، ولسوء الحظ قد يكون العلاج النفسي مدمرا فقد وجدَ "ألين برجن" A.Bergin وزملاؤه أن التدهور الذي يمكن إرجاعه إلى العلاج لوحظ في حوالي (5%) في الحالات التي تم بحثها ولم يكن هناك أي ارتباط بين البروفيل الشخصي Personal Profile لسمات المعالج وبين النتائج العكسية، فما هو علاجي وما هو غير ذلك يتوقف إلى حد ما على طبيعة المريض وطبيعة المشكلة.
هل يختلف نمط معين من أنماط العلاج عن الأنماط الأخرى؟
عملية مقارنة الطرق المختلفة للعلاج النفسي أمر صعب نسبيا فالمشكلة في تنوع طرق العلاج تكمن في التحكم في بعض العوامل غير المرغوبة التي تشتمل على شخصية المعالج واندماجه في عمله وخبرته وكذلك حدة أعراض المريض، وفي إحدى الدراسات الهامة الشاقة قام بها بروس سولون وزملاؤه قارن بين ثلاثة معالجين سلوكيين مهرة بارزين وثلاث معالجين تحليليين كل منهم يعالج مرضى غير ذهانيين Non-Psychotic Patients لعدة شهور؛
أما مرضى المجموعة الضابطة فكانوا يعانون من مشكلات متشابهة ووضعوا في قائمة انتظار الحد الأدنى من العلاج وقام الباحثون بتحليل جلسات علاجية خاصة بقصد توضيح السمات الشخصية للمعالجين وطرقهم وتم تقويم المرضى قبل وبعد العلاج (أو اللا علاج) بطريقة شاملة على نحو عادي، واستخدم في هذا التقويم الاختبارات النفسية وتقدير الأعراض المستهدفة والمقابلات والتقارير المأخوذة ممن يعرفون المفحوص لفترة متوسطها اثنتا عشرة سنة بالإضافة إلى تقديرهم الذاتي وتقدير المعالج، وقد أظهر حوالي (80%) من المرضى ممن يتلقون العلاج سواء كان تحليليا أو سلوكيا تحسنا عاما في أداء وظائفهم الاجتماعية وتم المحافظة على هذا التحسن تماما بأكمله، وثبت أن كلا من السلوكيين والتحليليين متساوون في فعاليتهم تحت تلك الظروف، ويؤكد هذا الاستنتاج عدد غير قليل من الدراسات المقارنة.
ومن الواضح أنه من الصعب إيضاح الفروق الكلية في فعالية طرق العلاج الأساسية المتنوعة فالنتائج المحيرة التي نكتشفها يمكن شرحها بدرجة معقولة بطرق عديدة أولها أنه قد تكون هناك فروق حقيقية بين العلاجات وتتوقف هذه الفروق على الشخصيات الداخلة في العلاج وطبيعة المشكلات المتضمنة، وبمعنى آخر فكل طريقة علاج قد تحقق نواحي قوة منتظمة تفوق نواحي أخرى أو تلغيها ، وثانيها أن أي علاج ناجح يتوقف إلى حد ما على عناصر معينة مشتركة وسنقوم بفحص هذا الغرض الثاني هنا بدقة أكبر:
هل توجد في أساليب العلاج الناجحة عناصر أساسية مشتركة؟
على الرغم من أننا نركز على الفروق الموجودة بين أساليب العلاج النفسي إلا أن طرق العلاج التي ناقشناها تشترك في عدد من العناصر، ويعتقد الباحثان "جيرون فرانك" و"هانز استرب" إن بعض هذه العناصر يمثل مفاتيح العلاج النفسي الناجح فطقوس المعالجة قد تعطينا نفس أنماط هذه الفوائد وتدخل أنماط التفاعل للشخصية المتميزة بالتعاطف والاحترام والفهم والثقة والمساندة الحماسية ضمن العلاجات الناجحة حيث تعطي هذه العلاقة للمريض قدرا من الأمل وتثبت فيه توقع التغيير الإيجابي، كما أنها تعطي للمعالج قوة أساسية للتأثير على المريض، كذلك لابد أن يكون المكان العلاجي مكانا آمنا يسمح للخواطر الممنوعة والأحاسيس الغريبة بالتعبير الحر عن نفسها وتقبل فيه هذه الأشياء من أول مرة.
ويقوم المعالجون عادة بتقديم تفسيرات عقلانية للفرد الذي يعاني من المشكلة، ولقد كانت هذه الصعوبات التي يعاني منها المريض في البداية غامضة ومبعثا للضيق حيث كان تفسيرها (سواء كان صحيحا أو خاطئا) أمرا من شأنه أن يذهب مخاوف المريض ويبددها ويزود المعالجون المريض بمعلومات جديدة ويشجعون الأساليب الجديدة للسلوك والشعور وقد تكون هذه العناصر المشتركة هي العناصر العلاجية الحقيقية.
وبالرغم من أن الوضع ليس شائع القبول إلا أنه يثير بعض النتائج المحيرة، وهي لماذا يتحسن كثير من الناس دون الإفادة من العلاج الشكلي، ولماذا يصبح المعالجون الجدد في نفس فعالية المعالجين ذوي الخبرة.
واقرأ أيضاً:
العلاج النفسي مجرد كلام ×× / العلاج السلوكي / العلاج المعرفي / العلاج الزواجي السلوكي Marital Counseling / الطبيب النفساني بين الواقع والمتوقع ××