إن المساندة القوية التي لقيتها وتلقاها الحكومة الإسرائيلية من الحكومات الأمريكية المتعاقبة تجعلنا نتساءل عن حقيقة هذه المساندة وعن دوافعها وكيفية تطبيقها ؟
عند قيامها عملت الحركة الصهيونية على تطبيع علاقاتها مع بريطانيا باعتبارها القوة العظمى في تلك الحقبة، فحققت بمساعدتها انتصارات عدة (دخول فلسطين...). وبعد ظهور فرعون عصرنا (و.م.أ) كقوة ذات نفوذ كبير، ها نحن نرى الصهاينة يعدون خططا أخرى لتلقي المساعدات منه أو إن صح التعبير أخذها بالقوة.
كيف تمكنت الصهيونية العالمية من التأثير في السياسة والرأي العام في و.م.أ ؟
بعدما انتقل الصهاينة من أوربا إلى الو.م.أ وجدوا في البيئة الأمريكية الاجتماعية والسياسية خير وسيلة للتأثير على نظام الحكم، فخلقوا لوبيا قويا قادرا على التحكم في القرارات السياسية.
تأثير اللوبي الصهيوني في القرارات السياسية:
رغم أن اليهود الصهاينة القاطنين بأمريكا لا تتعدى نسبتهم(1) 3% إلا أنهم يتوزعون على 12 ولاية ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة للعملية الانتخابية هي: نيويورك، ماسا شوستس، نيوجرسي، بنسلفيا، الينوي، كاليفورنيا، ماري لاند، فلوريدا، كانيكتكت، متشيجان، تكساس وأوهايو. حيث أنهم يقدمون شخصا أمريكيا ويعطونه أصواتهم على أن يبقى مواليا للصهيونية وإسرائيل عند وصوله لكرسي الرئاسة. وبهذه الطريقة فهم متمكنون من تعبئة الجانب السياسي.
تأثير اللوبي الصهيوني على الرأي العام الأمريكي:
استولت شركات يهودية صهيونية على أغلب المؤسسات الإعلامية من قنوات تلفزيونية (ثلاث قنوات) وصحف إخبارية (أهمها نيويورك تايمز)، وبدأت تحكي من خلالها عن مأساة اليهود والاضطهاد الذي لقوه من طرف ألمانيا النازية تارة، وروجت للمنافع التي سيحصدها الاقتصاد الأمريكي من الاستثمارات اليهودية تارة أخرى، وأظهرت صورة خاطئة عن المجتمع الإسلامي باعتباره عدائياً وضد التطور الفكري، فأثر هذا الضغط الإعلامي على الرأي العام الأمريكي وجعله دائم المساندة لليهود، وولد عنده حقداً اتجاهَ العرب عامة والمسلمين خاصة.
وقد أكد الكاتبان اليهوديان المرموقان "سيمور ليبست" و"إيرل راب" أن اليهود احتلوا المناصب العليا والحساسة في الو.م.أ بشكل ضخم مع العلم أنهم لا يشكلون إلا 3% من سكان البلاد كما سبق وأن قلت وأكد الكاتبان أيضا في كتابهما "اليهود والحال الأمريكي الجديد أن"(3) شكل اليهود خلال العقود الثلاثة الماضية 50% من أفضل 200 مثقف، 20% من أساتذة الجامعات الرئيسية، 40% من الشركاء بالمكاتب القانونية الكبرى بنيويورك وواشنطن.. 59% من الكتاب والمنتجين للخمسين فيلما سينمائيا التي حققت أكبر إيراد مابين عامي 1965 - 1982 وأيضا 58% من المديرين والكتاب والمنتجين لاثنين أو أكثر من المسلسلات بوقت الذروة التلفازي. وهذا يوضح إحكامهم القبضة وقدرتهم على التأثير في جميع القرارات الصادرة عن أعلى الهيئات داخل الوسط الأمريكي. وإدارة الرئيس "كلنتون" خير دليل، فأغلبية الوزراء والسفراء وممثلي الو.م.أ كانوا من الصهاينة وهذه لائحة مختصرة لبعض من هؤلاء(4):
الوزراء:
مادلين أولبرايت: وزيرة الخارجية.
وليام كوهين: وزير الدفاع.
دان جليكمان: وزير الزراعة.
مسؤولون آخرون:
جورج تينت: مدير وكالة المخابرات الأمريكية (CIA)
راهم إمنويل: المستشار السياسي للرئيس.
دون سوسنيك: مستشار الرئيس.
مارتن أنديك: وكيل وزارة الخارجية لشرق الأوسط.
روبرت ناش: رئيس الشؤون الخاصة للرئيس.
ستيف كيسلر: مستشار البيض الأبيض.
صموئيل لويس+ ستانلي روس: عضوين في مجلس الأمن القومي.
السفراء:
جيمس جوزيف: السفير الأمريكي في جنوب إفريقيا.
جون كور نبلوم: السفير الأمريكي في ألمانيا.
ألفريد موسس: السفير الأمريكي في رومانيا.
إذا كان كل هذا الكم من الشخصيات الصهيونية يسير الإدارة في عهد الرئيس "كلنتون" الذي قيل أنه متعاطف مع العرب والمسلمين، فإن أكثر من ذلك سيكون في إدارة "بوش" المسيحي المتطرف. التطرف المسيحي واليهودي هو المتحكم في الو.م.أ وهو صاحب القرار داخل أروقة البيت الأبيض والبنتاغون، هذه حقيقة معروفة. كما وصل اللوبي الصهيوني في الو.م.أ إلى درجة قوة جعلته يوصف بالحزب الثالث المنافس للحزبيين الأساسيين (الحزب الديمقراطي و الجمهوري).
أين تظهر المساندة الأمريكية لدولة إسرائيل؟
- يحتدم الصراع يوما بعد يوم بين الإسرائيليين والفلسطينيين مما يستدعي عقد جلسات لمجلس الأمن يتم أثنائها وضع بعض القرارات التي تحمي الجانب المتضرر وغالبا ما تكون لصالح الجانب الفلسطيني لأنه الأكثر تضررا، لكن الو.م.أ تحرم الفلسطينيين من الأمن وتجعلهم يواجهون إرهاب دولة منظم ضـد شعب أعزل عندما تستخدم حق النقض الفيتو ضد هذه القرارات.
- باعتبار الو.م.أ القوة رقم 1 في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فإن لها صوتاً مسموعا لدى الهيئات الدولية، الشيء الذي يجعلها تحمي حليفتها إسرائيل، خاصة في موضوع الأسلحة المحظورة دوليا (الأسلحة البيلوجية - الأسلحة النووية...)، فهي تعمل على إنشاء معاهد تكوين أطر متخصصة في صناعة هذه الأسلحة داخل إسرائيل وتمول الصفقات الإسرائيلية، إضافة إلى تقديم مليارات الدولارات كمساعدة للشعب الإسرائيلي سنويا(2). "لا يوجد بلد غير الولايات المتحدة يقوم فيه السياسيون ووسائل الإعلام بتأييد إسرائيل وسياستها بمثل هذا الحماس المفرط. لقد زودت الولايات المتحدة إسرائيل لسنين طويلة بالدعم الحاسم عسكريا ودبلوماسيا وماليا، وقد شمل ذلك ما يربو على 3 بليون دولار سنويا.
لكن إذا أرادت الو.م.أ الانسلاخ عن إسرائيل، ما الذي سيحدث؟
أولا يجب معرفة العلاقة بين المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، فالسي آي إي تمد الموساد بمعلومات مفيدة، غير أن العكس ليس صحيح حتى لو تعلق الأمر بحياة أمريكا كلها، كا تجدر الإشارة إلى خلية نشيطة من الموساد داخل الو.م.أ وبالضبط داخل نيويورك وواشنطن، عملها يتجلى في التجسس على المواطنين الأمريكيين، وتقوم أيضا بإفساد صورة المسلمين داخل الو.م.أ . إذن أمريكا برمتها حبيسة الإحتراك الصهيوني فتارة تجار وأخرى علماء وأخيرة عملاء وجواسيس، وأي محاولة أمريكية للانفصال عن إسرائيل ستميت الو.م.أ . وهذا ما حصل فعندما قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بتجميد ما قدره عشرة مليارات دولار التي كانت تتوصل بها إسرائيل من أمريكا كل خمس سنوات، اختطف جناح الاغتيالات في الموساد فلسطينيين كانا يقطنان بيروت ونفذ بهما محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي وبدئ الأمر عملا إجراميا عربيا. وأعود إلى الوراء وبالضبط لقضية اغتيال الرئيس الأمريكي "جون كندي"، هذه الحادثة لن يكون ورائها غير الصهاينة وذلك لأنه ناقشهم في منشأة "ديمونة" النووية وأراد معرفة أسرارها.
إن تبني الو.م.أ الحركة الصهيونية مشروع خاسر مئة بالمائة فقد ورطها على مدى سنين طويلة وسيورطها أكثر لأنها غير قادرة على فسخ العقدة معها حتى لو أتى ذلك الرئيس العنقاء. فهل إسرائيل موالية لأمريكا أم أن أمريكا تابعة لإسرائيل؟
طبعا وبعد كل هذا فأمريكا هي ذيل إسرائيل الطويل الذي سيقطع يوماً ما.
العالم ومعاداة السامية:
في عالمنا انقلبت الحقائق فالليل يصف نفسه باللمعان والصفاء ويتهم النهار بالسواد، والصهاينة يزعمون أنهم سامون عن كل الشعوب الأخرى.
كل ما نزل من عند الله فهو مرتق وسام، نزلت التوراة على اليهود فحرفوها وساووها مع تعاليم التلموذ التي خطها حاخاماتهم ففقدت طابعها السامي ونزل الإنجيل على النصارى فحرفوه، فأفقدوه سمة السمو، بيد أن المسلمين كانوا للذكر حافظين وبالتالي فهم من يستحق اللقب السامي. هكذا أفسر معنى السامية. لكن معاجم الصهاينة تفسره بأنه كل الأقوال والأفعال التي تمس من قريب أو بعيد العرق اليهودي(5)، كان الألماني "وليهالم مار" أول من أطلق مصطلح العداء للسامية سنة 1879م على الحملات المعادية لليهود آنذاك، وتعرف أيضا لدى اليهود ب"كليشيه".
شاع استعمال هذا المصطلح ضد كل من يقوم بعمل لا يعجب اليهود فيسمى معاد للسامية، فحرم على وكالات الأنباء والصحف مناقشة انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين والنبش في تاريخ إسرائيل الدموي، حتى الباحثون الأكاديميون منعوا من تحليل كتاب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية الذي حوكم مؤلفه "روجي جارودي".
يظهر الاستعمال المفرط لمسدس معاداة السامية في كل دول العالم كما يستعمل ضد أي شخص مهما كان مركزه السياسي. وكالتالي سلسلة من المظاهر البشعة لاستعمال مصطلح "معاداة السامية":
* الابتزازت الصهيونية للألمان وسرقة أموالهم باسم التعوضات عن ضحايا الهولوكست (الحادثة الزائفة).
* منع تصوير أي عمل سينمائي أو تلفزي يمس الصهاينة بالسوء و أستحضر هنا ما فعله السفير الإسرائيلي في السويد عندما
* كسر أجهزة تصوير وشتم مخرج ومنتج فيلم يتحدث عن الانتفاضة الفلسطينية، كما هوجم كل من مسلسل "فارس بلا جواد" ومسلسل "الشتات" لأن الأول ناقش بروتوكولات حكماء صهيون والثاني أظهر شراسة الصهاينة.
* اتهم رئيس الوزراء الأسبق "محاضير محمد" بمعاداة السامية عندما قال "إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة".
* هاجمت المنظمة الصهيونية العالمية ومنظمات وتيارات إسرائيلية أخرى الإتحاد الأوربي لأنه نشر استفتاءاً أجري داخل ترابه يؤكد فيه الأوربيون أنهم يرون في إسرائيل أكبر مهدد للسلام والأمن العالميين.
* طرد برلماني ألماني من حزبه وفصل عن المجلس التشريعي حينما اتهم إسرائيل بتطبيق إرهاب دولة منظم على شعب أعزل وأدان سياستها.
اعترف الكاتب الصهيوني "شموئيل جردون" في مقاله المنشور على موقع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية بتاريخ 9/11/2003 تحت عنوان: " معاداة إسرائيلية للسامية" أكد فيه أن العرب يعانون من معاداة سامية حقيقي لما يتعرضون له من إهانة وشتم ونعت بتسميات تخدش كرامتهم. شهد شاهد من أهلها.
إن العالم قد سقط ضحية الحملات الصهيونية اقتصادياً وسياسيا وأخطر من ذلك التحكم في العقول واقتطاع الأرض مقابل السلام.
الهوامش:
عن كتابي البطن العالمي بين الولائم والوضائم
1- إبراهيم إبراهيم: من يحكم الولايات المتحدة الأمريكية ! مجلة العربي -العدد 298- سبتمبر 1983م
2- كما ورد في الصفحة 11 من " فوردوارد " التي تصدر بمدينة نيويورك، عدد 19 أبريل 2002م.
3- "سيمور ليبست" و" إيرل راب": اليهود و الوضع الأمريكي الجديد. مطبعة جامعة هارفارد 1995 صفحتي 26/27.
4- من يحكم أمريكا، بقلم طلعت رميح عن موقع الخيمة:http://www.khayma.com/4
5- معاداة السامية... كلها مكاسب لشارون: عن موقع إسلام أون لاين.
اقرأ أيضاً على مجانين:
المسيحية الصهيونية: "صهيو مسيحية أم صهيو أميركية"؟ / أمريكا أيام ما كنا ... / من هم الصهاينة؟ / الحركة الصهيونية كمشروع غربي / الصهيونية والحرب النفسية / السياسة الإسرائيلية الأمريكية والموقف المطلوب