عندما ينام أولمرت، يتخيل بأنه الإسكندر المقدوني.. يقترب من غزة بجيشه الجرار، يعطي إنذاراته الأخيرة لأهلها، يقتحم الأبواب عليهم ويقيد قادتها المتمردين عليه بالسلاسل ويعود مظفرا إلى «أبناء الرب» الذين يلاقونه بالغار والورود، ثم يضيفونه في كتبهم ليصبح أحد أسفار التوراة.
وعندما يصحوا من النوم، يبدأ بالسعال، ثم يبحث عن طقم أسنانه في أي زاوية سقط من زوايا الغرفة، شأنه شأن الكيان الذي يحكمه، والذي كل قوة الدنيا التي يمكنه أن يحصل عليها، لن تكون سوى مثل طقم أسنان رجلٍ مسنّ، يخشى إذا عض شيئا، علق فيه وبالتالي فقده.
لو كان الكيان الصهيوني يستطيع اجتياح غزة وفرض شروطه المذلة عليها لما تأخر دقيقة واحدة، ولما احتاج إلى كل هذه الحملات الإعلامية، فقد تعودنا ومنذ خروج الكيان من غزة على سماع هذه التهديدات، التي كان يبحث من خلالها على تحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية، ولكنه الآن يكرر هذه التهديدات لأهداف مختلفة عن قبل، فهو يهدف إلى إشغال وسائل الإعلام بموضوع الاجتياح -الذي هو أمر كبير وضخم- ليخفي من خلاله حقيقة ما يرتكب من جرائم يومية، التي تصبح بالقياس أشياء صغيرة أمام المرتقب الكبير.
على المستوى السياسي والميداني أيضا فان فكرة اجتياح غزة غير واردة، فالفلسفة التي تعيش عليها السياسة الصهيونية تقوم على استغلال وصناعة تناقضات داخلية داخل المقاومة الفلسطينية ثم اللعب عليها بمعزل عن أي مواجهة مباشرة. فهو يدرك أن اقتحام غزة سيعمل على توحيد الجميع بداخلها في خندق واحد إذ لا يمكن أن تكون هناك معركة وطن ويبقى من يتخلف عنها.
وبالمقابل فإن رهانه يقوم على الاستمرار في خنق غزة لأنه يتوهم أن ذلك سيعمل على تفجير الأوضاع من الداخل وبالتالي يزيد من عمق التناقضات الداخلية، بما يتيح له بعد ذلك فرض الشروط السياسية المناسبة على غزة.
قادة الكيان يركزون الآن على أن مشكلتهم مع الصواريخ الفلسطينية وهي حقيقة مسألة باتت مؤلمة لهم بعد صواريخ الجهاد الإسلامي التي أصابت سبعين جنديا. وهم الآن يتمنون إيجاد وسيلة لإيقافها، لكن هذه الصواريخ هي متنفس المقاومة ومكان الضغط على موضع الم الكيان، وحسن إدارتها سوف يحقق مستقبلا معادلة فلسطينية مهمة، بالتالي إن التفكير بإيقافها لن يكون من مصلحة الفلسطينيين بغض النظر عن أي رد صهيوني، لأن الكيان الصهيوني يعتدي دوما ولا يرد على مقاومته فقط.
أخيرا: الكيان الصهيوني يستطيع الاقتراب من غزة بمقدار ما تقترب الكلاب الضالة منها أي على أطرافها لا غير، وأما الدخول إلى أزقتها وشوارعها، فالكلاب الضالة لا تستطيع أن تفعل ذلك، وتبقى المشكلة فينا كعرب وكفلسطينيين، فإذا كان الكيان الصهيوني يتجه نحو الضعف فنحن نسير بجانبه على ذات الطريق ولا نسير بعكسه... متى نتجاوز أوهام الدولة، وشهوة السلطة..؟؟.
____________________________________________________
ملاحظة: هذا المقال نشرته في فلسطين اليوم، فقامت إحدى الشبكات المرتبطة بجهاز استخباري عربي بسرقته ونسبه لنفسها لهذا اقتضى التنويه
اقرأ أيضاً:
كيف فسر الإسرائيليون ما جرى في غزة؟/ غزة على فوهة بركان/ رسالة إلى غزة/ هل نندم على الانسحاب من غزة؟/ السلام المحموم في الزمن المأزوم